خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٧١
-المائدة

تيسير التفسير

{ وَحَسِبُوا } ظن بنو إِسرائيل { أَلا تَكُونَ } تحصل { فِتْنَةٌ } بلاء وعذاب بتكذيب الأَنبياءِ وقتلهم، وذلك لأَنهم اعتقدوا أَن كل من جاءَهم بشرع غير شرعهم الأَول يجب قتله كذا قيل، وفيه أَن أَنبياءَهم متواردون على التوراة بلا مخالفة، ولعل المراد أَنهم يجيئون من الله بأَشياءَ ليست في التوراة ولا تناقضها أَو يقتلونهم تشهيا وخوفا من زوال الجاه وتفرق الأَتباع كما عبدوا العجل ويزعمون أَن أَسلافهم يشفعون لهم { فَعَمُوا } فعموا عن إِدراك الدين ودلائله بمجرد ما وجدوا فى التوراة بلا إِسماع مسمع كمن لا يرى بعينه ما هو ظاهر لعماه كما عبدوا العجل { وصَمُّوا } عن سماع المسمع لهم سماع قبول كمن لا تسمع أُذناه لصمم فيهما، ويجوز أَن يكون العمى والصمم بمعنى واحد مجازى وهو المبالغة في الإِعراض عن الحق كبعد من اجتمع فيه العمى والصمم عن الإِدراك { ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ } أَى وفقهم للتوبة، والسعيد منهم في ولاية الله تعالى له ولو فى حال المعصية لما يختم له به لا لها، والشقى في براءَة الله ولو في حال طاعته وتوبته لما يختم له به فليس في ذلك تقلب ولاية الله وبراءَته بحسب التوبة ونقضها { ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } بدل من واو عموا فهو في نية التقديم عن صموا أَو تجعل الواو في عموا علامة الجمع وكثير فاعله وهو فى نية التقديم وواو صموا فاعل أَو كثير مبتدأ وعموا وصموا خبران بعطف لجواز تقديم الخبر الفعلى إِذا لم يكن ليس كقولك قام أَبوه زيد، وإِنما يمتنع إِذا كان تقديمه يوهم المبتدأ بالفاعل كقولك فى زيد قام، قام زيد، أَو اللبس بالتأكيد نحو أَنا قمت، ويقال فعموا وصموا إِشارة إِلى المرة الأُولى من مرتى الفساد حين خالفوا التوراة وقتلوا شعياءَ أَو حبسوا أَرمياءَ وإنما تابوا في أَسر بخت نصر وكانوا دهراً تحته في بابل في ذل عظيم وأهلك الله بخت نصر وبعث ملكا عظيما من فارس وعمر بيت المقدس ثلاثين سنة ورد بنى إِسرائيل وتراجعوا كأَحسن ما كانوا وكثروا كذلك، وقيل: لما ورث بهمان ابن اسنفنديار الملك من جده كاسف أَلقى الله تعالى شفقة عليهم في قلبه فردهم إِلى الشام وملك عليهم دانيال عليه السلام فاستولوا على من كان فيها من أَتباع بخت نصر فقامت عليهم الأَنبياء فرجعوا إِلى أحسن ما كانوا عليه، وذلك قوله تعالى { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } [الإِسراء: 6] والمرة الثانية من مرتى الفساد حين قتلوا زكرياءَ ويحيى وقصدوا قتل عيسى عليه السلام، ويقال المراد بالتوبة أَنهم تابوا من عبادة العجل وفيه ضعف لأنه على عهد سيدنا موسى عليه السلام لا يناسب المقام، وكذا ما قيل فعموا وصموا بعبادة العجل ثم تابوا ثم عموا وصموا بطلب الرؤية والاعتداء في السبت إِلاَّ أَن الاعتداءَ فيه في زمان داود بعد موسى عليهما السلام، ولو قيل المراد من فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لجاز لرضاهم عن إِسلامهم فيسند إِليهم مالآبائهم، وقدم العمى لأَنه أَول ما يعرض لمن أَنكر ما أَتى به من الحق ثم لو أَبصره لم يتبعه كأَنه لم يسمعه وثم للتراخى رتبة وزمانا { وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } فلن ينجوا من عقابه، ومقتضى الظاهر بما عملوا لكن المضارع للفاصلة وحكاية الحال والتكرير.