خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
١١٢
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَكَذَلِكَ } مثل جَعْلنَا هؤلاء المشركين أَعداءَك يا محمد { جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ } قبلك مفعول ثان { عَدُوًّا } مفعول أَول، وهو جماعة كما يستعمل للمفرد، أَلا ترى إِلى قوله { بعضهم } وقوله " { ما فعلوه } " [النساء: 66] وقوله { شياطين } بالجمع، قال:

إِذا أَنا لم أَنفع صديقى بوده فإِن عدوى لم يضرهم بغضى

{ شَيَاطين الإِنسِ وَالْجِنِّ } بدل من عدوا، أَو هو الأَول وعدوا ثان، والكل متعلق بجعلنا، أَو حال من عدوا، والشيطان المفسد العاتى من الإِنس أَو من الجن، فلكل نبى شياطين من الإِنس وشياطين من الجن، وشيطان الإِنس أَعظم من سبعين شيطاناً من الجن، وشيطان الجن إِذا أَعياه المؤمن استعان عليه بشيطان الإِنس فيفتنه، قال مالك ابن دينار: شيطان الإِنس أَعظم عليَّ من شيطان الجن، إِن تعوذت بالله أَو ذكرت الله ذهب، وشيطان الإِنس يجرنى إِلى المعاصى عيانا، والجن كلهم من أَولاد إِبليس، إِلا أنه يرسل طائفة إِلى الإِنس ليغووهم ولذا أضيفوا إِليهم فقيل شياطين الإِنس، وطائفة إِلى الجن كذلك، وعن ابن عباس: الجن هم الجان وليسوا شياطين، والشياطين ولد إِبليس ولا يموتون إِلا معه، والجن يموتون، ومنهم مؤمن ومنهم كافر، وذلك كما قيل الإِضافة بمعنى اللام، وقيل للبيان، وقيل إِضافة صفة لموصوف، أَى الإِنس والجن والشياطين، والآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أَصاب مَنْ قبله من الأَنبياء فيصبر كما صبروا، ويقال: المصيبة إِذا عمت هانت، وحجة فى أَن الله خلق الكفر وشاءَه كما خلق الخير وشاءَه، وفيها رد على المعتزلة سواء قلنا جعلنا صيرنا أَو خلقنا أَو أَثبتناه وعلى الوجهين لجعلنا مفعول واحد هو عدوا، وإِعراب الباقى كما مر، وزعمت المعتزلة تخلصا من أَنه تعالى خلق المعاصى أَن المعنى: كما خلينا بينك وبين أَعدائك خلينا بين الأَنبياء قبلك وأَعداءَهم، ولم نمنعهم ليحصل الثواب والعقاب، أَو أَن الجعل بمعنى طريق التسبب حيث أَرسلنا الأَنبياءَ فحسدهم الكفرة، أَو أَن المراد: كما أَمرناك بعداوة قومك من المشركين أَمرنا من قبلك بعداوة المشركين، أَو كما أَخبرناك بعداوة المشركين وحكمنا بها أَخبرنا الأَنبياءَ قبلك وحكمنا، وذلك باطل وخلاف ظاهر الآية وتكلف بلا داع إِليه سوى التعصب لمذهبهم الباطل { يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } حال من شياطين، أَو مستأْنف أَو نعت لعدو يرسل فى الإِخفاء أَحد النوعين إِلى الآخر { زُخْرُفَ الْقَوْلِ } ملبسه من الباطل يسر شيطان الجن إِلى شيطان الجن قولا فى إِغواءِ المؤمنين وفى زيادة إِغواءِ غير المؤمن، يقول شيطان من الجن لآخر منهم: أَغويت صاحبى بكذا فأَغوه أَنت به، وكذا يقول له الآخر، وإِما على أَن الشيطان بعض من الإِنس وبعض من الجن، فالذى من الجن يوسوس الذى من الإِنس، فذلك بعض إِلى بعض، ولو لم يتم من الجانبين، وقد يطلق الزخرف على المزين الذى هو الحق، والمراد الأَول لقوله { غُرُوراً } أَى لأَجل الغرور، أَو غارًّا، أَو ذا غرور، أَو يغرون غرورا { وَلَو شَاءَ رَبُّكَ } أَن لا يفعلوا فيكونوا مؤمنين، ومفعول المشيئة هو مضمون الجزاء على القاعدة كما رأَيته، وقدر بعضهم ولو شاءَ ربك إِيمانهم، وهو تفسير معنى، أَو تفسير صناعة بأَن اعتبر ما علق به فعل المشيئة سابقا قبل هذا وقال لو شاءَ ربك، وفيما يأْتى لو شاءَ الله لأَن ما هنا بعد ذكر العداوة فناسب أَن يذكر أن يربيه يمنعه ويحميه وما يأتي بعد ذكر العداوة فناسب أّن يذكره بعنوان الأُلوهية المنافية للشرك { مَا فَعَلُوهُ } أَى ما فعلوا ما ذكر من معاداة الأَنبياءِ وإِيحاءِ الزخارف، أَو ما فعلوا الإِيحاءَ، أَو ما فعلوا الغرور فى حقه صلى الله عليه وسلم وفى حق إِخوانه من الأَنبياء عليهم السلام، وفى هذا أَيضا رد على المعتزلة { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } اترمهم مع ما يفترونه، أَو مع افترانهم، أَو اتركهم واترك افتراءَهم أَو ما يفترونه من الكفر وما دونه من المعاصى مما زين لهم، أَى ما عليك إِثمهم، فقد بلغت وليس حسابهم أَو توبتهم عليك، وهذا مما يقوله الله له ولو بعد نزول القتال ولا نسخ لهذا بآية القتال كما زعم بعض.