خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

تيسير التفسير

{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ } دين الله الواجب عليهم أَن يكونوا عليه فيضاف إِليهم، أَخذوا بعضه وتركوا بعضه وترك البعض نقض للكل فهو ترك للكل، وهذا فى أَهل الشرك وأَهل التوحيد، وذلك كعبادة الأَصنام والقول بأَن الملائكة بنات الله وبأَن عيسى ابن الله وأَنه إِله وأَن مريم إِله وأَن عزيراً ابن الله، وأَن علياً أَولى بالإِمامة، وأَن الإِمامة فى أَولاده إِلا الحسين بن علي بن الحسين بن على، لأَنه لم يبغض أَبا بكر وعمر، كذبت الشيعة فإِنه لم يبغضهما أَحد قبله أَيضاً من أَولاد على. والقول بأَن أَهل المعاصى والكبائر مشركون والتحكيم فيما فيه حكم أَمرنا الله به قال صلى الله عليه وسلم: "افترقت المجوس على سبعين فرقة كلها هالكة، وافترقت اليهود على إِحدى وسبعين فرقة كلها فى النار إِلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها هالكة إِلا واحدة، وستفترق أُمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إِلا واحدة" ، وسئل صلى الله عليه وسلم: من هى؟ فقال: "من كان على ما أَنا عليه وأَصحابى" . وليس فى أَحاديث الإِسناد ذكر المجوس، وذكره الشيخ يوسف بن إِبراهيم فى بعض كتبه وذلك كما قال الله جل وعلا { وَكَانُوا شِيعاً } فرقاً تنسب كل فرقة إِلى إِمامها الذى تشايعه هى { لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَئٍ } منهم خبر ليس وفى شئ متعلق بمنهم أَو بمتعلقه أَو منهم حال من شئ بناء على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف غير زائد. وفى شئ خبر ليس، أَى لست فى شئ من أَحوالهم الفاسدة أَو التفرق، والمعنى أَنك برئ منهم ومن معاصيهم ولا تعاقب عليهم، وبذلك ليسوا منك فى شئ من الحق لأَنك أَنت تتبع البراهين وهم يقلدون الآبَاءَ والأَهواءَ، كما يقال فى نفى الاتصال لست منى ولست منك، وفى إِثباته أَنت منى وأَنا منك، ويضعف أَن تختص الآية بالمشركين ويراد النهى عن القتال حتى ينسخ بآية القتال { إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله } يتولاهم بمعرفة أَعمالهم ومقاديرها ومقادير جزائها، ولست منهم فى شئ خبر إِن، وإِنما أَمرهم إِلى الله مستأنف أَو خبر ثان أَو هو الخبر ولست إِلخ حال من الواو فى كانوا أَو فرقوا { ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } يعاقبهم أَو يخبرهم به وبأَنهم استحقوه إِذا جهلوا عاقبة أَفعالهم فيظهرها لهم على رءوس الأَشهاد، وفصل إِجمال المقادير بقوله:
{ مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ } إِلى يوم القيامة لم يفسدها فى حياته أَى حسنة كانت، كلمة الإِخلاص وما بنى عليها فعلية أَو تركية { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } أَى كَأنه عمل عشر حسنات يثاب عليهن أَو عشر إِثابات حسنة، فإِن الجزاءَ حسن كما أن العمل حسن. واقتصر على العشر لأَنه أَقل ما يكون إِلا أَنه إِن هم بحسنة ولم يفعلها فله واحدة ولا غاية للكثرة فإِنه خمس وعشرون وسبع وعشرون وسبعون ومائة وسبعمائة وأَلف وسبعون أَلفاً ومائة أَلف وأَكثر وبلا حساب. قال أَبو ذر عنه صلى الله عليه وسلم:
"الحسنة عشر أَو أَزيد، والسيئة واحدة أَو أَحقر، فالويل لمن غلبت آحاده أَعشاره" . وجاءَ: من اهتم بسيئة كتب عليه همه بها وإِنما لم يكن عشر بالتاء لأَن الأَمثال واقع على المؤنث وهو حسنات أَو لأَنه نعت لحسنات محذوفة أَو لأَنه أضيف لمؤنث. ولكثرة الثواب قيل: المراد بالعشر الكناية عن الكثرة لا خصوص العدد، وإِنما كان الخلود فى النار أَو الجنة لنيات الدوام على المعصية أَو الطاعة كما روى عن الحسن البصرى { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ } الشرك وما دونه، والمجئ بها الإِصرار عليها، ومن تاب فقد قطعها عن المحشر فلم يوافقه بها { فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } أَى إِلا جزاء يماثلها، أَى إِلا الجزاءَ المماثل لها، أَى المناسب، فامثل بمعنى الجزاء الذى هو مصدر أَو الجزاءَ الذى بمعنى ما يجزى به من العذاب، والمراد نفى الزيادة وذلك أَولى من أَن يقال مثل زائد لمشاكلة مثل قبله. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أَى لا يظلم الله الجائين بالحسنة والجائين بالسيئة، أَى لا ينقص من ثواب الحسنة ولا يزيد فى عقاب السيئة.