خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ
٦١
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَهُوَ القَاهِرُ } الفاعل ما يشاء ولو كره الفعل كاره { فَوْقَ عِبَادِهِ } حال من المستتر فى قاهر، فوقيه علو شأْن وتنزه عن النقائص ومنها أَن يرد عليه فعل أَو قول حاشاه، يفعل ما يشاء من تصحيح وإِعلال، وإِغناء وإِفقار وإِعزاز وإِذلال وإِيجاد وإِعدام وإِحياء وإِماتة وإِثابة وتعذيب فهو غالب لا يغلب { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً } ملائكة يحفظون أَعمالكم من خير وشر، وقيل: ومباح ومَا لا ثواب فيه ولا عقاب. لكل أَحد ملكان، ملك عن اليمين إِذا عمل حسنة كتبها عشرة أَو أَكثر، وملك عن شماله إِذا عمل سيئة زجره ملك اليمين عن أَن يكتبها لعله يتوب حتى تمض خمس ساعات أَو سبع، وإِذا مشى فأَحدهما أَمامه وهو ملك الحسنات والآخر خلفه، وإِذا نام فصاحب الحسنات عند رأسه وصاحب السيئات عند رجليه، وعن ابن عباس مع كل مؤمن خمسة: واحد عن يمينه يكتب حسناته والآخر عن شماله يكتب سيئاته، وواحد أَمامه يلقنه الخير، وواحد خلفه يدفع عنه الآفات، وواحد على ناصيته يكتب صلاته على النبى صلى الله عليه وسلم، ويقال: مع كل مؤمن ستون ملكاً، وفيه: مائة وستون يذبون عنه الشياطين، وذكر بعض أَن أَحد الملكين على كتف والآخر على كتف وهو المشهور. وقيل: هما على الذقن، وقيل فى الفم يمينه ويساره، ولا معرفة لهم على ما فى القلب، كما جاءَ فى الحديث أَنهم يزكون عمل العبد فيقول الله عز وجل لهم: أَنا الرقيب على ما فى قلبه لم يردنى به. فقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له" بمعنى أَن الله سبحان وتعالى يحفظها له ويثيبه عليها ولا يكتبها الملك. وقيل: يطلعون على ما فى القلب بإِذن الله إِلا الرياءَ كما روى أَن المرائين يقربون من الجنة حتى إِذا رأَوها واستنشقوا ريحها ردوا فيقولون لو لم نرها ولو لم نستنشق ريحها كان خيراً لنا، فيجيبهم بأَن ذلك لعظم مبارزتي بالمعاصى وإِظهار الطاعة لغيرى. ولعل الحديث لم يصح لأَن الشقى لا يريح ريح الجنة، وتتجدد ملائكة الليل وملائكة النهار، وقيل: لا بل تطلع ملائكة الليل وترجع فى الليل الآخر، وتطلع ملائكة النهار فترجع للنهار الاخر، وقيل: يتجدد ملائكة الحسنات، وقيل: لا يحصر عدد ملائكة الحسنات، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يبتدرون أَيهم يكتبها أَولا" ، قلت: لا دليل فيه أَن هؤلاء المبتدرين ليسوا ملائكة حسنات العبد، بل ملائكة يرغبون فى الخير كطالب العلم، أَلا ترى أَنهم كلهم يكتبونها لا واحد فقط، إِلى قوله: أَولا، وحكمة إِرسال الملائكة والإِخبار بهم أَن يعلم الإِنسان أَن الملائكة تكتب قبائحه وتقرأ عليه بحضرة الخلائق ومسمعهم: فينزجر عنها ويستحيى منهم، أَو المراد ملائكة يحفظون ابن آدم ورزقه وأَجله وعمله وهم المذكورون فى قوله تعالى: " { وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين } "[الإنفطار: 10 - 11] أَو المعقبات، كما قال الله تعالى: { { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أَمر الله } [الرعد: 11]، وقيل: المراد هؤلاء كلهم وغيرهم، والعطف على قاهر كقوله تعالى: { { صافات ويقبضن } [الملك: 19]، أَو على هو القاهر، أَو على يتوفاكم، أَو على ما جرحتم بالنهار { حَتَّى إِذا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } حتى تفريعية، وهى حرف ابتداء كالغاية لقوله يرسل لكن باعتبار تعلقه بالحفظة وإِلا فلا، أَو لقوله حفظة، أَى يرسل عليكم ملائكة تحفظ أَعمالكم، أَو أَن يجيئكم الموت فيميتكم كما قال { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } ملك الموت وأَعوانه، وهنا كقوله تعالى: { { قل يتوفاكم ملك الموت } [السجدة: 11]، وذلك عصر الأَرواح من الأَجساد فإِذا بلغت الحلقوم قبضها الله، فهذا كقوله تعالى: { { يتوفى الأَنفس حين موتها } [الزمر: 42]، وهذا مذهبنا، وذهب بعض الصوفية أَن القابض الله أَو ملك الموت أَو أَعوانه بحسب مقام العبد، وقال بعض قومنا: تعصرها الملائكة ويقبضها ملك الموت من الحلقوم إِذا وصلته، أَو رسلنا ملك الموت عظم بلفظ الجمع لقوة عمله، ويقال: إِذا كثرت عليه الأَرواح دعاها فتجيئه، وله أَعوان تقبضها ويجيئه بها، والأَحياء كلها فى البر والبحر كشىء فى طست، ويقال: كل من جاءَ أَجله سقطت إِليه ورقته، ويقال: صحيفة فيها موته من تحت العرش، ويأْمر أَعوانه بالتصرف، ويطوف كل يوم بكل مسكن مرتين، وقيل: خمسة ويقال: يقبض روح المؤمن ويسلمها لملائكة الرحمة ويبشرونها بالثواب، ويصعدون بها، وهم سبعة. وروح الكافر ويسلمها لملائكة العذاب وهم سبعة ويبشرونها بالعذاب، وترد من السماء إِلى سجين، ورأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكاً عند رجل من الأَنصار، فقال: "ارفق بصاحبى فإِنه مؤمن، فقال: إِنى بكل مؤمن رفيق، وإِنى لأَقبض روح ابن آدم فإِذا صرخ صارخ من أَهله قلت: ما هذا الصراخ؟ فوالله ما ظلمناه، ولا استبقينا من أَجله فما لنا فى قبضه من ذنب، فإِن ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وإِن تسخطوا تأْثموا، وإِن لنا لعودة بغتة، فالحذر الحذر، إِنى لأَعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم، فإِنى أَتصفح وجوههم كل يوم وليلة خمس مرات، والله يا محمد لو أَردت قبض بعوضة ما قدرت حتى يكون الله هو الآمر بقبضها" . وإِذا مات العبد رجعوا إِلى معابدهم. وقيل: يقومون على قبره يترحمون عليه أَو يلعنونه { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } لا يتعدون ما حد لهم من وقت القبض وتشديده وتسهيله ومكانه، وكيفيته ومقابلة المحتضر بوجه طلق أَو عبوس أَو نحو ذلك.