خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ
٨٢
وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
٨٣
-الأنعام

تيسير التفسير

{ الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله وكل ما يجب الإِيمان به عليهم { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ } ولم يخلطوا { بِظُلْمٍ } لأَنفسهم بكبيرة فيما بينهم وبين الله، أَو فيما بينهم وبين الخلق، والتنوين للتعظيم، فإِن الكبيرة ذنب عظيم كاسمها { أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ } فى الآخرة من عذَابها { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } إِلى ما ينفعهم دنيا وأُخرى، وأَما من آمن ومات على كبيرة غير تائب فلا أَمن لهم وهم ضالون، وهذا رد على المرجئة الخلص الذين لا يجزمون بالهلاك على من مات وهو مصر وعلى الأَشعرية الذين أَجازوا دخول المصر الجنة، وقالوا بأَنه يقع لبعض والبعض الاخر يدخل النار، ويخرج منها عندهم فكانوا فى طرف من المرجئة، وأَما حديث البخارى ومسلم بسندهما عن ابن مسعود أَنه لما نزلت الآية شق ذلك على المسلمين قالوا: أَينا لم يظلم نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك، إِنما هو الشرك، أَلم تسمعوا قول لقمان لابنه يا بنى لا تشرك بالله إِن الشرك لظلم عظيم }" وفى رواية: "ليس هو كما تظنون إِنما هو كما قال لقمان لابنه" ، فإِن صح فإِنما هو بيان لهذه الآية أَن المراد بالظلم فيها الإشراك، ويناسبه أَن الآية فى الفريقين فتبقى سائر آى الوعيد وأَحاديثه الدالة على هلاك من مات على كبيرة من الكبائر السبع أَو سائر الكبائر، ومنها الإِصرار على الصغائر وقد ذكر الله جل وعلا في آخر السورة أَنه من آمن ولم يكسب فى إِيمانه خيراً لا ينفعه إِيمانه، ولنا أَيضاً دليل عقلى لا يقاومه حديث الآحاد، وهو أَن الإِيمان لا يجامع الكفر، وأَما ما أَجابت به الأَشعرية من أَن المراد بالإِيمان التصديق بوجود الصانع وهو يجامع تعديد الآلهة، أَو المراد بالإِيمان باللسان دون القلب، وأَن المراد بالظلم الإِشراك بتعديد الآلهة، أَو بالقلب دون اللسان فيرده إن ظلماً نكرة فى سياق النفى، فهى إِما استغراق لكل كبيرة، وإِما ظاهرة فى الاستغراق، وأَيضاً لم يذكر فى القرآن آمن وأُريد به مجرد التصديق، ولو مع التعديد، أَو التصديق باللسان فقط إِلا وهو مقرون بما يدل على ذلك ولا دليل هنا، وأَما آيات المشيئة مثل { { يغفر لمن يشاء } [آل عمران: 129، المائدة: 18، الفتح: 14]، { { ويغفر ما دون ذلك } [النساء: 48، 116]، فمعناه المغفرة لمن يشاء توفيقه للتوبة، وإِلا لزم أَن يغفر للنصارى مع بقائهم على الشرك، فى قوله " { وإِن تغفر لهم فإِنك أَنت العزيز الحكيم } " [المائدة: 118] والآية من كلام الله عزو جل على الصحيح، أَو من كلام إِبراهيم كما روى عن على مستأنفة، أَو يقدر خبر لمبتدأ محذوف، أَى الفريق الأَحق بالأَمن الذين آمنوا.. إِلخ.. وعلى هذا يكون أُولئك مستأنف ولا حاجة إِلى تقدير قال إِبراهيم: الذين آمنوا.. إِلخ.. ولا يصح ما قيل أَنها من كلام قومه، أَجابوا بما هو حجة عليهم
{ وَتِلْكَ } القصة التى ذكرناها عن إِبراهيم من قوله تعالى
" { فلما جن عليه الليل } "[الأنعام: 76] إِلى { مهتدون } أَو تلك القولة التى قالها إِبراهيم، سمى ما ذكر عنه كله قولة، لأَنه متوارد على معنى واحد وهو التوحيد، أَو تلك الأَقوال وأَفردها بتأويل الجملة، وآخر ذلك مهتدون على ما مر من تمام كلام إِبراهيم أَين هو مع أَن ما كان من الله هو حجة لإِبراهيم ولو لم يذكر عن إِبراهيم بلفظة، وضعف جعل الإِشارة إِلى قوله " { أَتحاجونى } "[الأنعام: 80] إِلى { مهتدون } لأَنه لا دليل على تخصيصه، ولأَن الاحتجاج بقوله " { رأَى كوكباً قال هذا ربى } "[الأنعام: 76] إِلخ أَظهر { حُجَّتُنَا } خبر، أَو بدل أَو بيان، وعلى الأَول يكون { آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمَهِ } خبراً ثانياً أَو حالا من حجة لأَن المبتدأَ إِشارة، وعلى الثانى والثالث يكون خبراً وعلى قومه حال من ضمير النصب أَو متعلق بحجة بمعنى الشئ المحجوج به، وإِن جعلناه مصدرا لزم الفصل بينه وبين معموله بالخبر أَو الحال، ولا مانع من تعليقه بآتينا لأَن المعنى أَلقيناها على قومه لإِبراهيم { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } فى العلم والحكمة، كما فاق إِبراهيم عليه السلام فى صباه شيوخ عصره واهتدى إِلى ما لم يهتد إِليه الأَنشاء والأَكابر { إِنَّ رَبَّكَ } هذا رجوع إِلى خطاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كقوله " { قل إِن هدى الله } " [البقرة: 120] { حَكِيمٌ } فى قوله وفعله، ومن ذلك رفعه درجات من يشاء وخفض من يشاء { عَلِيمٌ } بأَحوال خلقه، ومنها استعداد من يستعد لرفع درجاته.