خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٤
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَوَهَبْنَا لَهُ } لإِبراهيم { إِسْحَاقَ } من سارة، عاش مائة وثمانين سنة، ولفظ إِسحاق أَعجمى، وذكر بعض أَن معناه بالعربية الضحاك { وَيَعْقُوبَ } ابن إِسحاق، عاش مائة وسبعا وأَربعين سنة، وفى هذا دليل أَن ولد ولدك ولدك لأَنه جعله فى الهبة مع الولد، والعطف على تلك حجتنا عطف قصة على أُخرى عطف فعلية على اسمية، لا على آتيناها؛ لخلوها عن ضمير تستحقه جملة آتيناها فى الربط بما قبلها، وفى الجملة إِلى آخره مدح لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إِذ كان من ذرية إِبراهيم من جهة إِسماعيل، ومدح لسيدنا إِبراهيم إِذ جعل أَشرف الخلق من نسله وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من جملة ما رفع به درجات إِبراهيم عليه السلام خليل الرحمن إِذ سلم قلبه للعرفان، ولسانه لإِقامة البرهان على فساد طريق أَهل الشرك والطغيان، وسلم بدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان، واعترف بفضله جميع أَهل الأَديان، ومن جملة درجاته أَن أَكثر الأَنبياء من نسله { كُلاًّ } كل واحد من إِسحاق ويعقوب { هَدَيْنَا } لم يذكر ما إِليه الهداية ليذهب ذهن السامع كل مذهب ممكن حسن فى الهداية لإِبراهيم من كل شرف وفضيلة دنيوية وأخروية، وللعلم به وهو ما هدى إِليه إِبراهيم عليه السلام، وقدم كلا للاهتمام أَو للحصر الإِضافى، أَى إِنما هديناهما جميعاً لا واحداً فقط، وفيه ضعف، وقيل: كلا من إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب، والأَول أَولى لأَن شرف إِبراهيم مشهور معروف مفروغ منه قبل هذه الآية، والآية سبقت لمدحه بأَنه وهب له ولدين مهديين، وبأَنه من ولد مهدى عظيم هو نوح { وَنُوحاً } معناه بالسريانية الساكن، وقيل سمى نوحاً لكثرة بكائه، فهو لقب، واسمه عبد الغفور، وصحح الأَول { هَدَيْنَا } قدم نوحاً للاهتمام { مِنْ قَبْلُ } من قبل إِبراهيم، عد هدى نوح نعمة لإِبراهيم، لأَن شرف الأَب يتعدى إِلى الولد، فشرف إِبراهيم عليه السلام من جهة أَبيه نوح وهو جده، وجهة أَولاده وهم أَنبياء بنى إِسرائيل، وقيل بين آدم ونوح أَلف سنة، وعاش آدم تسعمائة سنة وستين، وبين إِدريس ونوح أَلف سنة، وبعث نوح لأَربعين وعاش فى قومه أَلف سنة إِلا خمسين، وعاش بعد الطوفان ستين، وقيل: بعث ابن ثلاثمائة وخمسين، وبين إِبراهيم ونوح عشرة قرون، وعاش إِبراهيم مائة وخمساً وسبعين وبينه وبين آدم ألفا سنة، ونوح هو ابن لَمْك -بفتح فإِسكان - ابن متوشلخ - بفتح فضم وشد وفتح الشين واللام - وقيل - بضم ففتحتين فإِسكان الشين وكسر اللام - أَخنوخ - بفتحتين وضم النون - وهو إِدريس بن برد ابن مهلائيل بن قينان بن أَنوش بن شيت، والذى يتبادر إِلى النفس أَن إِدريس قبل نوح، وقد قيل أَنه ولد بعد آدم بمائة وستة وعشرين عاماً، لكن فى الطبرانى: أَول الأَنبياء آدم ثم نوح فإِدريس بعد نوح، وعليه أَكثر الصحابة، وقد قيل إِدريس بن برد بن مهلائيل بن أَنوش بن قينان بن شيت بن آدم وهو جد نوح بينهما أَلف سنة، كما روى عن ابن مسعود ووهب ابن منبه { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ } من ذرية نوح، أَو من ذرية إِبراهيم، والأَول أَولى لأَن لوطاً ويونس ليسا من ذرية إِبراهيم، ووجه الثانى أَن الكلام سبق فيه والعطف بعد فى الأَول على نوحاً فيكون الهدى متسلطاً عليهم أَو على إِسحاق، فتكون الهبة متسلطة عليهم وفى الثانى على إِسحاق. ومن للابتداء أَو للتبعيض على كل حال متعلقة بوهبنا، أَو لهدينا على الابتداء، وأَما على التبعيض فتتعلق بمحذوف حال من داود وما بعده، ويعطف لوطاً ويونس على نوحاً، وجاءَ عطفه على مفعول وهبنا، ووجهة أَن لوطاً ابن أخت إِبراهيم عليه السلام، وقيل ابن أَخيه، وبيونس اتصال بابراهيم عليه السلام لاقتدائه به فصح أَنهما وهبا له به. فى جامع الأُصول أَن يونس من الأَسباط فى زمان شعيب فلا إِشكال، ويعمل بالتغليب فيمن ليس من ذريته والخال كالأُم، والعم كالأَب، والمذكور فى الآية ثمانية عشر رسولا، وبقى آدم وإِدريس وشعيب وصالح وهود وذو الكفل ومحمد، فهم خمسة وعشرون، قيل: يجب الإِيمان بهم تفصيلا، ولعله على من قامت الحجة عليه بالسماع ذكر السبعة فى غير هذه السورة، وذكر الباقين من الآية بقوله { دَاوُدَ } بن إِيشا بن عوبر - بموحدة على وزن جعفر - ابن عابر - بمهملة وفتح الموحدة - بن سلمون بن يخيئون بن عذودب ابن إِرم بن حضرموت بن فارض بن يهوذا بن يعقوب { وَسُلَيْمَانَ } ابنه، وبين داود وموسى خمسمائة وتسع وستون سنة، وعاش داود مائة وسليمان نيفاً وخمسين سنة، وقيل ثلاثاً وخمسين سنة، وبينه وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أَلف وسبعمائة سنة. أو كان داود يشاور سليمان مع صغر سنة لوفور عقله وعلمه، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأَ بناءَ بيت المقدس بعد ملكه بأَربع سنين { وَأَيُّوبَ } بن أَموص من أَسباط عيص بن إِسحاق، وقيل أَيوب ابن روم بن إِسحاق، وقيل ابن روم بن إِبراهيم، ويقال: أَيوب بن أَموص بن رازح بن عيص بن إِسحاق بن إِبراهيم، عاش ثلاثاً وستين، ومدة بلائه سبع سنين، وذكر ابن عساكر أَن أمه بنت لوط، وآمن أَبوه بإِبراهيم فهو قيل موسى، وفى الطبرى أَنه بعد شعيب، وفى ابن خيثمة أَنه بعد سليمان، وفى الطبرانى عمره ثلاث وتسعون سنة، { وَيُوسُفَ } بن يعقوب، عاش مائة وعشرين، قيل: بينه وبين موسى بعده أَربعمائة سنة، وبين إِبراهيم وموسى خمسمائة وخمس وستون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إِسحاق ابن إِبراهيم" { وَمُوسَى } هو ابن عمران، عاش مائة وعشرين، وبينه وبين داود بعده خمسمائة وتسع وستون { وَهَأرُونَ } أَخو موسى، أَكبر من موسى بسنة، ابن عمران بن يصهر بن لوى بن يعقوب، أَخو موسى لأَبيه وأمه، وقيل: لأَبيه، وقيل: لأُمه. ومات قبل موسى، رآه صلى الله عليه وسلم ليلة الإِسراء فى السماء الخامسة، ونصف لحيته أَبيض تكاد تضرب سرته، فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: المحبب إِلى قومه، هارون بن عمران، وكذا قيل أَن هارون بالعبرية المحبب. { وَكَذَلِكَ نَجْزِى المُحْسِنِينَ } نجزى المحسنين بالتشريف والتفضيل بأَنواع الكرامات كما جزينا بذلك موسى وهارون وداود وسليمان ويوسف، أَو كما جزينا إِبراهيم برفع درجاته وكثرة أَولاده والنبوة فيهم، والمطلق مطلق الإِحسان لا خصوص النبوة وكثرتها، وليس فى ذلك تشبيه الشئ بنفسه، وفى الحديث: "الإِحسان أَن تعبد الله كأَنك تراه فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك" ، أَى فإِن لم تكن تراقبه كما تراقب من تراه.