خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ
٩٢
-الأنعام

تيسير التفسير

{ وَهَذا } أَى القرآن { كِتَابٌ } عظيم { أَنْزَلْنَاهُ } خبر ثان أَو نعت كتاب { مُبَارَكٌ } خبر ثالث أَو نعت ثان { مُصَدِّقٌ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } خبر رابع أَو نعت ثالث، والمعنى على الأَخبار أَن القرآن كتاب عظيم كما دل عليه التنكير، وأَنه أَنزلناه نحن فما فيه حق لا كذب ولا كلام لغير الله ولا تعليم بشر، وما فيه من فصاحة وبلاغة من الله لا من الرسول فما يجاريه كلام، وأَنه كثير الخير الدنيوى والأُخروى والدينى، وفيه عز الدنيا والآخرة، إِذ هو مفيد بأَلفاظه يشتفى بها دعاء ورقيا، مشتمل على الأُصول والفروع وأَعمال الجوارح والقلوب، وأَنه مصدق بجنس الكتاب الذى بين يديه - أَى قبله - كالتوراة والإِنجيل والزبور والصحف، والمراد بالذى التوراة لأَنه أَعظم كتاب أنزل قبله، ولأَن الخطاب لليهود، ومعظم كتبهم التوراة، وبين يديه استعارة للقبلية أَو مجاز مرسل، ومحط التصديق فيما لم ينسخ ولم يختلف فيه فى الكتب فظاهر كالتوحيد وصفاته صلى الله عليه وسلم والتبشير به وكمكارم الأَخلاق وتحريم مساوئها، وفيما نسخ واختلف فى الكتب أَن الكل حكمة وعدل، وصرح القرآن بأَن ذلك حق وأَن ما نسخ منها بالقرآن قد ذكر الله فيها أَنه سينسخ بالقرآن تلويحاً أَو تصريحاً، ولو لم يكن فيها من ذكر النسخ إِلا ذكر أَنه يجب اتباعه، فإِذا جاءَ بما خالفها فذلك نسخ مذكور فيها، وأَما المعنى على النعت فهو أَن القرآن كتاب عظيم متصف بإِنزالنا والبركة وتصديق الكتب السابقة، وعلى كل حال قدم الإِنزال هنا لأَن المقام للرد على نفى الإِنزال ومجئ الكلام عقب نفيه وقال ما أَنزل الله على بشر من شئ، وقدم البركة فى قوله: وهذا ذكر مبارك أَنزلناه، بصيغة الفعل لتجدده بخلاف البركة والتصديق فإِنهما على الثبوت { وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } عطف على محذوف أَى لتبشر من آمن به ولتنذر أُم القرى، أو عطف على المعنى مما يقال له فى غير القرآن عطف لتوهم، كأَنه قيل: أَنزلناه لتصدق الذى بين يديه، وهذا لاتصاله أَولى من تقدير أَنزلناه للبركة ولتنذر أم القرى، وأَولى من هذا اعتبارهما معاً أَى للبركة والتصديق ولتنذر أم القرى، ويجوز تعليقه بمؤخر، أَى ولتنذر أم القرى أَنزلناه، أَو مقدم، أَى وأَنزلناه لتنذر أم القرى، ويجوز تعليقه بمعطوف، أَى مصدق لما بين يديه وكائن لتنذر، وأم القرى مكة، أَى لتنذر أَهل أم القرى، أَو أم القرى أَهلها تسمية للحال باسم المحل، ومن حولها أَهل الدنيا كلهم، وما أَرسلناك إِلا كافة للناس، وسميت أم القرى لأَنها قبلة أَهل القرى، فهى كالأَصل لسائر القرى، ومن معانى الأُم الأَصل، ولأَنها محجهم ومعتمرهم، والحج من أصول العبادة فهى كالأم للقرى إِذ كانوا يجتمعون إِليها كما تجتمع الأَولاد إِلى الأُم، ولأَنها أَعظم القرى شأْناً كعظم الأُم بالنسبة إِلى الأَولاد ولأَنها بسطت الأَرض من تحتها فهى للأَرض كالأُم للأولاد ولأَن فيها البيت الذى هو أَصل سائر البيوت وأَسبق، الذى هو كالأُم للأَولاد فى السبق، فمكة كالأُم لسائر الأَرض، ولا دليل لطائفة من اليهود ادعوا بعثه صلى الله عليه وسلم إِلى العرب خاصة، وهم من حول مكة! لأَن المراد بمن حولها كل الناس كما رأَيت، ولو فسر بالعرب فما ذلك إِلا لكونهم أَحق بالإِنذار للنسب والجوار، كما أرسل موسى إِلى غير بنى إِسرائيل أَيضاً، وجل خطابه لهم. { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } بالدار الآخرة الحاصلة بالبعث للثواب والعقاب إِيماناً تاماً بتفكر يثمر الإِعراض عن الحظوظ الدنيوية، والعلم بأَن دين محمد هو دين الله كما قال الله عز وجل { يُؤْمِنُونَ بِهِ } بالكتاب الذى هو القرآن، أَو بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعليه فمقتضى الظاهر يؤمنون بك للخطاب فى قوله لتنذر، وهذا لو كان فيه مراعاة أَقرب مذكور لكن الأَصل عدم الالتفات، ومن الجائز عوده إِليهما معاً بتأْويل ما ذكر، والجملة خبر الذين، ويضعف عطف الذين على أم القرى، وجعل يؤمنون حالا من الذين لأَن المؤمنين بالقرآن والنبى صلى الله عليه وسلم المحافظين على صلاتهم أَنسب بالتبشير، والمقام به أَنسب لأَنه مقام استدعاء للإِيمان، ولا وجه لإِنذارهم سوى الحث على الدوام على ما هم عليه والزجر عن الإِعجاب والأَمن { وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ } قدم بطريق الاهتمام، وللفاصلة { يُحَافِظُونَ } خوفاً من عقاب الآخرة، وخص المحافظة عليها بعد الإِيمان لأَنها أَشرف الأَعمال بعد التوحيد، ولأَنها تدعو إِلى سائر العبادات، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فهى عماد الدين وعلم الإِيمان، والآية لم يحملهم على التصديق بالقرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمحافظة على الصلوات الخمس، بل لا يصلونها أَلبتة، وتعريض بالمنافقين المضمرين للشرك لأَنهم لا يحافظون عليها.