خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى } من المناجاة { إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ } عليهم لعبادتهم العجل، وقد أَخبره الله فى المناجاة أَو فى الرجوع قبل الوصول { أَسِفًا } حزناً أَو شديد الغضب، وليسا بمعنى واحد، كرر للتأْكيد كما قيل: وإِذا أَصبت بمن فوقك حزنت، أَو بمن تحتك غضبت، فهو حزن لله سبحانه وتعالى، غضبان على قومه { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنْ بَعْدِى } لإِشراككم، والمراد من بعد غيبتى أَو توحيدى وإِخلاصى العبادة لله عز وجل. وما: واقعة على الخلافة اسم موصول أَو نكرة موصوفة، والرابط مفعول مطلق محذوف، أَى بئس الخلافة التى خلفتمونيها، أَو بئس خلافة خلفتمونيها، والمخصوص بالذم محذوف، أَى خلافتهم هذه، أَو الفاعل مستتر، وما نكرة موصوفة تمييز أَو مصدرية، والمصدر تمييز أَو فاعل، والخلافة بقاؤهم خلفه، أَو كونهم خلائف فى فعل ما يفعله وقول ما يقول، ومن حق الخلفاء أَن يسيروا بسيرة مستخلفهم، ولا يتكرر قوله من بعدى مع قوله خلفتمونى لأَن معنى الخلافة أَن يقوموا مقامه فى التوحيد والعدل وإِبطال الشرك، ومعنى البعدية ذهابه عنهم إِلى المناجاة، والخطاب للكفرة منهم، إِذ عبدوا العجل، أَو المعنى قمتم مقامى، فالخطاب لهارون والمؤمنين معه، إِذ لم يكفوا عباد العجل عن عبادته، والخلافة فى الحقيقة لسيدنا هارون صلى الله عليه وسلم، وغيره من المؤمنين تبع له، وعلى أَن الخطاب له فقط ظن موسى صلى الله عليه وسلم الظن البشرى العاجل الذى لا يؤاخذ عليه، ولا سيما مع عظم الشرك، وشدة غضبه أَن هارون لم يفرغ وسعه حتى يمنعهم من الشرك، فلذلك قيل بئسما، أَو الخطاب للكفرة وفهارون عليه السلام ومن معه فهم أَشركوا، وهارون ومن معه قصروا فى ظنهم لموسى عليه السلام { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } ضمن عجل معنى سبق أَو ترك فعداه، أَى أَسبقتم أَمر ربكم، أَو تركتموه، أَى شأنه، وهو واحد الأُمور، وهو توحيده وعبادته، أَو ميعاده أَن يبقوا على الدين، حتى يأْتى بالتوراة على رأس أَربعين فى قوله " { فتم ميقات ربه أَربعين ليلة } " [الأَعراف: 142] أَو ثلاثين يوماً، ويقال: عدوا الليل يوماً والنهار يوماً، فتم عدد الأَربعين على عشرين، وقالوا، أَو قال لهم السامري فتبعوه أَن موسى صلى الله عليه وسلم لم يأْتنا وقد مات، أَو الأَمر ضد النهى، أَى تركتم أَمره بالتوحيد والعبادة { وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ } تغلبت عليه شدة الغضب لدين الله فنسى الأَدب مع الأَلواح فأَلقاها فى موضع ليرجع إِليها إِذا تفرغ لكن بعنف فانكسرت فرفع منها ستة أَسباع كان فيها تفصيل كل شئ، وبقى سبع كان فيه المواعظ والأَحكام. وقيل: رفع ما فى الستة من الإِخبار بالغيب لا نفس الأَلواح، ثم رد ما رفع فى لوحين بعد أَن صام أَربعين يوماً أخرى لترد، أَقدر الله تعالى موسى على حملها ولو كان وقر سبعين بعيراً. قال ابن عباس رضى الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أَخى موسى" ، ليس الخبر كالمعاينة إِن الله تعالى أَخبر موسى أَن قومه قد ضلوا فلم يكسر الأَلواح، ولما عاين ذلك كسر الأَلواح، أَى اَلقاها عمداً مع تغلب الغضب لا إِهانة، وقيل: وقعت منه بلا اختيار منه لغفلته عنها للغضب، والآية إِخبار لنا بما وقع لا تعنيف لموسى، فضلا عن أَن يقال: لو كان بلا اختيار لم يعاتبه الله سبحانه وتعالى، ومعنى قوله تعالى " { ولما سكت عن موسى الغضب أَخذ الأَلواح } "[الأَعراف: 154] أَنه أَخذ بقيتها، أَو أَخدها كلها كما هو ظاهر الآية، ما لم يكسر وما كسر، كما روى أَن كسورها فى تابوت بنى إسرائيل إِلى زمن داود عليه السلام وما بعده مع السكينة كما قال الله عز وجل " { وبقيةٌ مما ترك آل موسى وآل هارون } "[البقرة: 248] ومن القول بأَن الأَلواح عشر وغير ذلك { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } بشعر رأس أَخيه هارون عليهما السلام، وهو شعر لحيته كما فى طه، والقول بأَنه أَخذه ليناجيه فى شأْن القوم ويسأَله، أَو ليسكته مما فيه من الغضب، أَو أَخذه أَخذ الإِنسان لحيته فى غضب، غير ظاهر ولا دليل عليه، والجر إِليه يدل على العنف وهو المراد، وما ذكر لا عنف فيه، وقوله: " { لا تأْخذ بلحيتى } "[طه: 94] دليل على العنف والعتاب، وكذا قوله " { رب اغفر لى } " [الأَعراف: 151] أَى اغفر لى الجر { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } توهما بأَنه قصر فى كفهم عن الشرك وذلك التوهم جاءه من شدة الغضب لله، ولا يؤاخذ عليه، وكان أَكبر من موسى بثلاث سنين، وكان متحملا لجفاء من جفاه وكان أَحب إِليهم، وموسى حديد شديد الغضب ومع شدته وحدته يحبه كل من رآه { قَالَ ابْنَ أُمَّ } يابن أم والأَصل أمى قلبت الياء أَلفاً، وحذفت الأَلف، وجر الإِضافة مقدر فى الميم، أَو ذلك كمركب مبنى على الفتح، وهو أَخوه لأُمه وأَبيه، واقتصر على الأُم تعطفاً، ولأَن المقام للعجلة { إِنَّ الْقَوْمَ } بنى إِسرائيل الكفرة { اسْتَضْعَفُونِى } وجدونى ضعيفاً، أَو صيرونى ضعيفاً، أَو عالجوا ضعفى باجتماعهم على حتى قهرونى { وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى } حين أَتيت بمجهودى فى كفهم عن عبادة العجل { فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الأَعْدَاءَ } أَى لا تجعلهم شامتين بى، أَى فرحين ببليتى التى هى الجر بالرأس المشروع فيه، والشتم باللسان لى، واللفظ نهى عن المسبب والمراد النهى عن السبب، وهو فعل ما يكون سبباً لشمتهم، كأنه قيل: لا تفعل ما يكون سبباً لشمتهم، أَى لا تبق على هذا الجر، أَو لا تزد جراً آخر { وَلاَ تَجْعَلْنِى } لا تصيرنى بالتهمة، أَو لا تعتقدنى { مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } فى المؤاخذة والتقصير أَو الرضا، وقد آخذ بالقول فى قوله { بئسما خلفتمونى } وقوله" { ما منعك إِذ رأَيتهم ضلوا أَلاَّ تتبعنى } " [طه: 92 - 93] إِلخ.. ومقتضى الظاهر معهم، وأَظهر ليصفهم بالظلم.