خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٥٧
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ } عطف على الذى خلق السماوات عطف الخبر الجملى على المفرد أو على إِن ربكم الله الذي إِلخ { بُشْرًا } وفى قراءة نشراً جمع نَشور قيل من النُّشور بمعنى الإِحياء مجازاً لأَن الريح توصف بمعنى الحياة، وقيل: بمعنى منتشرة فى النواحى متفرقة، قيل: أَو بمعنى منشورة، أَى مفرقة، قال صلى الله عليه وسلم: "ريح الرحمة تأتى من ها هنا ومن ها هنا، وريح العذاب تأتى من جهة واحدة" . وفيه أن فعلا جمع لمفعول بمعنى فاعل لا لفاعل على نحو ناشر ولا لمفعول بمعنى مفعول كحلوب إِلا ما شذ. نعم صح رسول ورسل. أَخذت الناس ريح بطريق مكة وفيهم عمر رضى الله عنه للحج فقال ما بلغكم فى الريح فلم يجيبوه، فبلغ ذلك أَبا هريرة فى مؤخر الركب فأَسرع براحلته فقال: يا أَمير المؤمنين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الريح من روح الله تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب، فإذا رأَيتموها فاسأَلوا الله خيرها واستعيذوا من شرها" { بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } قدام رحمته، وهى المطر، فقيل لو كان الرحمة قبل بمعنى المطر لا ضمير له هنا، ولا يلزم ذلك لجواز الإِظهار فى موضع الإِضمار. لنكتة كالامتنان. والرحمة بمعنى المطر على إِرادة من عام حقيقة وعلى أَنه اسم للمطر مجازا، وقيل وضع لفظ الرحمة اسماً للمطر هكذا بخصوصه فهو حقيقة كما هو حقيقة فى العموم، والصبا تثير السحاب وهى التى تهب من المشرق، وقيل من مطلع الشمس إِذا استوى الليل والنهار، والشمال تجمعه وهى التى تهب من ناحية القطب، والجنوب بفتح الجيم تنزله وهى مقابلة الشمال، والدبور بفتح الدال تفرقه وهى الغربية بين الجنوب والشمال، وعن كعب الأَحبار: لو أَمسك الله الريح ثلاثة أَيام لأَنتن أَهل الأَرض، وروى لأَنتن أَكثر أَهل الأَرض، وقال بعض: لو أَمسك الله الريح لأنتن ما بين السماء والأَرض. وعن ابن عمر: الريح ثمان: أَربع عذاب القاصف والعاصف والصرصر والعقيم، وأَربع رحمة الناشرة والمبشرة والمرسلة والنازعة كذا قيل { حَتَّى } تفريع أَو غاية لقوله يرسل { إِذَا أَقَلَّتْ } عملت بسهولة، وأَصله من القلة لأَن حامل الشئ عده قليلا أَو وجده قليلا، فهو من أَفعل بمعنى عدد الشئ. كذاك أفسقه بمعنى عده فاسقاً أَو وجده فاسقاً { سَحَابًا } أَى سحابات، والمفرد سحابة كثمر وثمرة، ويدل على أَن المراد بالجماعة قوله { ثِقَالاً } بصيغة الجمع أَى ثقيلة بالماء، وما واحدة بالتاء يجوز تذكيره وإِفراده كما قال { سُقْنَاهُ } أَى السحاب قيل الإِفراد و التذكير مراعاة للفظ، وسمى لانسحابه فى الهواء، ومقتضى الظاهر ساقه بالغيبة كما فى قوله عز وجل وهو الذى يرسل { لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } أَى أَرض لا نبات فيها كالميت لا ينمو، والمعنى لأَجل بلد أَى لمنفعته أَو لإِحيائه وإِنضاره، وهو أَنسب لمقابلة ميت أَو لسقيه والأَول راجع إِليهما لأَن البلد لا ينتفع، أَو إِلى بلد ميت { فَأَنْزَلْنَا بِهِ } أَى فى البلد لقربه، فالباء ظرفية والبلد يذكر ويؤنث، ويطلق على المعمور وغيره، أَو فأَنزلنا بالسحاب أَو بالريح المعلوم من الرياح، وهو يذكر ويؤنث، أَو بالسوق المعلوم من سقنا، وفيه عود الضمير لغير مذكور مع وجود المذكور، وعلى هذه الثلاثة الباء للآلة أَو للسببية أَو فَأَنزلنا منه أَى من السحاب { المَاءَ } والباء على هذا الأَخير للابتداء { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أَى بالماءِ، وهو أَولى لقربه وظهوره وكونه سبباً قريباً من أَن يقال أَخرجنا بالسحاب أَو بالسوق أَو فى البلد على أَن الباءَ ظرفية والسحاب سبب قريب والماء أَقرب والسوق بعيد ولو قرب بالنسبة للريح { مِنْ كُلّ الثَّمَرَاتِ } أَى بعض الثمرات. أَو أَصدرنا من كل الثمرات، ومن عليه للابتداء، وكل هنا لإحاطة الأَفراد النوعية لا للأَفراد الشخصية إذ لا تصح هنا، ويجوز الحمل على الاستغراق العرفى { كَذَلِكَ نَخْرِجُ الْموتَى } من قبورهم ومن مواضعهم للإِحياء، ووجه الشبه الإِحياء بالماء والإِخراج، وقيل الإحياء والإِخراج، وهذا رد على منكرى البعث إِذا قامت الساعة، ومضت أَربعون سنة أَو أَربعون يوماً، نزل من تحت العرش ماء كالمنى يحييهم الله به. وروى عن أَبى هريرة وابن عباس أَن ذلك الماءَ ينزل عليهم أَربعين عاما بعد نفخة الموت، وفى رواية أَربعين يوماً، ويروى أَنه يلقى عليهم النوم بعد ذلك وبعد رد أَرواحهم إِليهم ثم يبعثون وقد وجدوا لذة النوم فيقولون يا ويلتنا إِلخ. والإِشارة إِلى إِخراج الثمرات أَو إِلى إِحياء البلد الميت، أَى كما تخرج الثمرات بإنزال المطر بجرى العادة نخرج الموتى من قبورهم بماء مطلق كالمنى، كذا قيل، والأُولى التشبيه فى مجرد الإِخراج لأَن الإِحياءَ والإِخراج بلا إِنزال ماء على الموتى دل على قدرة كاملة، وهذا على إِعادة أَعيان الأجساد بعد جمعها وأَما على القول بإِعادة المعدوم فلا يتصور فيه الإِخراج بالماء. أو الإِشارة إِلى إِحياء البلد أَى كما نحييه بإحداث القوة النامية فيه وتطرئتها بأَنواع النبات والثمرات نخرج الموتى من القبور ونحييها برد الأَرواح إِلى مواد أَبدانها بعد جمعها وتطرئتها بالقوة العقلية والغضبية والشهوية والنامية والتغذية والحواس الظاهرة من نحو السمع والبصر والباطنة على القول بوجودهما { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتعلموا أَن من قدر على إِخراج النبات والثمار من الأَرض والخشب قادر على إخراج الموتى أَحياءَ.