خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
٥٨
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
٥٩
-الأعراف

تيسير التفسير

{ وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ } الذى طاب ترابه { يَخْرُجُ نَبَاتَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } متعلق بيخرج أَو حال وهو عبارة عن كون النبات جيدا كثيراً نافعاً بنفسه وثماره، كما يذكر إِن شاءَ الله للبركة بلا قصد استثناء، أَو يقدر يخرج نباته وافياً حسناً، ودل على ذلك المقابلة بقوله { وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا } أِى والبلد الذى خبث لا يخرج إِلا نكدا، وضمير يخرج للبلد الذى خبث، فالخارج البلد لكن على حذف مضاف أَى لا نخرج نباته، أَو يقدر المضاف أَولا، أَى ونبات البلد الذى خبث، لا يخرج إِلا نكدا، فحذف نبات فعاد الضمير أَيضاً إِلى البلد الذى خبث، والأَول أَنسب لما قبله، ولم يذكر هنا بإِذن ربه لأَنه لا بركة فى الخبث والنكد، وإِن فسرنا بإِذن ربه بمجرد مشيئته قدرنا مثله لقوله لا يخرج إِلا نكدًا أَو النكد الشئُ العسر يطلق على الذات والمعنى فهو حال أَو مفعول مطلق، أَى الآخر، وجاء نكدا، ومعناه قليلا عديم النفع، شبه المؤمن ونزول القرآن وقبوله وتأَثره فيه وظهور العمل به على لسانه وجوارحه بالأَرض الطيبة، ونزول المطر عليها وتأَثرها به وخروج النبات والثمار منها به فهذه استعارة تمثيلية، وهى المركبة، وشبه الكافر ونزول القرآن فى شأنه وعدم تأَثره به وعدم ظهوره على لسانه وجوارحه بالأَرض التى لا تنبت لكونها سبخة أَو صلبة أَو طال مكث الماء فيها أَو نحو ذلك، ونزول المطر عليها وعدم خروج النبات فيها أَو الإِنبات لا نفع فيه فإِن الكافر لا يعمل بالقرآن فإِن عمل بعض فكنبات لا نفع فيه، فهذه استعارة تمثيلية أَيضاً، وهى أَولى من تشبيه بمفرد فى الموضعين. ووجه الشبه فى الأُولى النفع والحسن وفى الثانية القبح وعدم النفع، وذلك كله بأَوجهه أَولى من أَن تفسر الآية بمطلق الامتنان أَو بمطلق القدرة إِذ لا يناسبهما ذكر قوله والذى خبث، وفى الآية تلويح بأَن الخير فى خلقة المؤمن والشر فى خلقة الكافر فالسعادة والشقاوة من البطن لكن بلا إِجبار ولا طبع. قال صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثنى الله تعالى به من العلم والهدى كمثل غيث أصاب أَرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماءَ فأَنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أَمسكت الماءَ فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها أخرى هى قيعان لا تمسك الماءَ ولا تنبت الكلأ، فذلك مثل من فقه فى دين الله تعالى ونفعه ما بعثنى الله تعالى به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله تعالى الذى أرسلت به" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل: "إِنى خلقت عبادى حنفاءَ كلهم وأَنهم أَتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" . ورواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إِلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أَو ينصرانه" . هذا لفظ البخارى { كَذَلِكَ } كما بينا وكررنا { نُصَرِّفُ } نبين أو نكرر { الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } نعم الله ويؤمنون به، وخصهم بالذكر لأَنهم المنتفعون بها، وسلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفر قومه وإِيذائهم بقوله تعالى:
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } ولم يقترن بالواو ولعدم تقدم ذكر نوح، وقرن فى هود لتقدم ذكر نوح، وفى قد أَفلح لذكر الفلك الدال عليه، إِذ هو أَول صانع الفلك، ولقب نوحاً لنوحه على نفسه لدعائه على قومه بالهلاك أَو لمراجعته ربه فى ولده كنعان أَو لقوله لكلب يا قبيح وإِيحاء الله عز وجل إِليه أَعبتنى أَم عبت الكلب، أَو لأَنه كذبه قومه، وكلما كذبوه بكى، وقيل اسمه عبد الجبار وقيل عبد السكن لسكون الناس إِليه، وقيل اسمه عبد الغفار بن لمك بفتح لام لمك وميمه، وقيل بفتح اللام وإِسكان الميم، وقيل لمكان بفتح فإِسكان، وقيل لامك بفتح الميم، ومتوشلح بضم الميم وفتح تائه وواوه وسكون شينه، وقيل بفتح الميم وضم التاء مشددة وسكون الواو وفتح اللام وبفتح همزة أَخنوخ من إِسكان خاءَ وضم نونه وإسكان واوه، وقيل خنوخ بلا همز وأَخنوخ هو إِدريس بعث فى الأَلف الثاني وآدم حى فيما قيل، وولد له نوح فى آخر الأَلف الأَول، كبر آدم ودق عظمه فقال يا رب إِلى متى آكل فقال تعالى حتى يولد لك ولد اسمه نوح مختون، فولد له نوح بعد عشرة أَبطن وهو يومئذ ابن أَلف سنة إِلا ستين عاماً، ونوح عجمى اسم له من أَول على ما صحح لا لقب، ولا يتم عندى حياة آدم إِلى زمان نوح عليهما السلام ابن متوشلح بن إِدريس بعث ابن أَربعين سنة كما عن ابن عباس رضى الله عنهما، أَوابن خمسين أَو ابن مائتين وخمسين أَو ابن مائة أَو ابن أَربعمائة، وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فعمره أَلف ومائتان وأربعون فى قول، وقيل أَلف وأَربعمائة وخمسون وهو أول نبى بعد إِدريس وهو أَول نبى بعث بتحريم الأَخوات والخالات والعمات، بعث إِلى من فى الأَرض كلهم إِلا الجن، ولم تدم رسالته لأَنه جاءَت بعده رسل بشرائع، ورسالته إِلى الكل اتفاقية قبل الغرق، وخلافية بعده، إِذ لم يوجد إِلا من معه ونسله قوم فى الأَرض لم يغرقوا مؤمنون بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم فإِنه بعث إِلى قومه وغيرهم حتى الجن والحيوان والملائكة والجمادات، وقيل بعد إعقالها وذلك أشرف له صلى الله عليه وسلم، ولا يعقبه نبى أَو شرع إلى يوم القيامة، وقوم رجل من اجتمع معهم فى جد، وقد يطلق على من كان فيهم نزيلا كما هو قول فى قوله تعالى
" { اتبعوا المرسلين } "[يس: 20] { فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ } وحده ووحدوه { مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِهِ } نعت على المحل لأَن إِله مبتدأ أَو فاعل للكم أَو لوصف يستغنى به عن الخبر، ومن صلة لتأكيد النفى والجملة مستأنفة لتعليل العبادة المأمور بها، أَو على معنى أَمرناكم بعبادته لأَنه لا إِله غيره { إِنَّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فى الدنيا إِن لم تؤمنوا، فالخوف لإِمكان أَن لا يعذبوا فى الدنيا ولو لم يؤمنوا وهو بمعنى اليقين على علمه أَنهم إِن لم يؤمنوا أَنزل الطوفان، أَو على أَن اليوم يوم القيامة وأَنهم لا يؤمنون، أَو شك أَن لا يعذبوا لإِمكان أَن يؤمنوا قبل الموت.