خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ
١٨
إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
٢٠
-الأنفال

تيسير التفسير

{ ذَلِكُمْ } أَى ما ذكر من البلاء الحسن والقتل والصبر، والخطاب للمؤمنين، وذلك فاعل أَو مفعول لمحذوف عطف عليه ما بعده، أَى حق ذلك، أَو قضى الله ذلك { وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ } أَى وتوهين الله كيد الكافرين، أَو خبر لمحذوف، والعطف على ذلك، أَى الأَمر ذلك وتوهين كيد الكافرين، أَو عطف على يبلى أَو يقدر اعلموا أَن:
{ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا } الخطاب للكافرين، أَى إِن تطلبوا الفتح، أَى القضاء لكم بالنصر على المؤمنين { فَقَدْ جَاءَكُمْ الفَتْحُ } القضاء بالنصر عليكم للمؤمنين، وذلك تهكم بهم فى مجئ الفتح إِذ نصر الأَعلى والأَهدى من الفريقين، وقد زعمتم أَنكم أَعلى وأَهدى، أَو المعنى جاءَكم الهلاك، فالتهكم فى التعبير عنه بالفتح والمألوف استعماله فى الخير. لما أَراد أَبو جهل وغيره الخروج إِلى بدر تعلقوا بأَستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أَعلى الجندين وأَهدى الفئتين وأَكرم الحزبين عندك. اللهم أَينا كان أَقطع للرحم، وأَتانا بما لا نعرف، فأَحنه الغداة - بفتح الهمزة وكسر الحاء وإِسكان النون - أَى أَهلكه، من أَحانه أَهلكه، يريدون أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخطأَ وقطع رحمه عكس الواقع، وحين التقى الجمعان قال أَبو جهل: اللهم ربنا، ديننا القديم ودين محمد الحديث فأَى الدينين كان أَحب إِليك وأَرضى عنك فانصر أَهله اليوم، قال عبد الرحمن بن عوف: إِنى لواقف فى الصف يوم بدر بين غلامين وقال لى كل واحد منهما: يا عمى هل تعرف أَبا جهل؟ فقلت: ما حاجتكما؟ قالا: أخبرنا أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لا نفارقه حتى يموت أَو نموت، فلم أَنشب أَن نظرت إِليه يجول فى الناس، فقلت: ها هو ذاك فابتدراه فقتلاه، وهما معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراءَ، وقال كل منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أَنا قتلته، فقال صلى الله عليه وسلم:
"أَريانى سيفيكما إِن لم تمسحاهما فأَرياه فقال: كلاكما قتله، فأَعطاهما سلبه" ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قال: من ينظر لنا ما صنع أَبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراءَ، فأَخذ بلحيته وقال: أَنت أَبو جهل؟ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه، أَو قال: قتله قومه؟ وروى: لو غيرك قتلنى؟.. وعن ابن مسعود رضى الله عنه، وجدته وقد ضربت رجله، فقلت: يا عدو الله يا أَبا جهل. قد أَخزاك الله، وضربته بسيف، ولم يغن حتى سقط سيفه من يده، فضربته حتى برد، أَى ضربته بسيفه إِذ سقط من يده. وفى ابن إِسحاق أَن هذين عمرو بن الجموح ضربه فطيَّر قدمه بنصف ساقه ثم مر به معاذ بن عفراء فضربه حتى أَثبته. فمر به ابن مسعود وبه رمق ووضع رجله على عاتقه فقال: هل أَخزاك الله يا عدو الله، فقال: لا سوى رجل قتلتموه. أَخبرنى لمن الدبرة اليوم، قلت: لله ورسوله. وروى أَنه لما وضع رجله على عاتقه قال: لقد ارتقيت مرتقى صعباً يارويعى، واحتز رأْسه. وجاءَ به إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هذا رأس أَبى جهل. فقال: الله الذى لا إِله إِله غيره، قال: نعم.. والذى لا إِله غيره، وأَلقاه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل.. { وَإِنْ تَنْتَهُوا } عن الكفر والحرب والعداوة { فَهُو } أَى انتهاؤهم { خَيْرٌ لَكُمْ } نفع لكم فى الدارين لنجاتكم بالانتهاء عن القتل والأَسر والغنم ونار الآخرة، ولفوزكم بالجنة ورضى الله، أَو أَفضل مما تزعمون أَنه حسن من البقاءِ على الكفر وتمتعهم مع كفرهم، أَو المراد إِن تنتهوا عن الحرب فهو نفع لكم، أَو أَنفع لكم لسلامتكم من القتل ونحوه، وهو أَنسب بقوله { وَإِنْ تَعُودُوا } فإِن العود إِلى الحرب فقط لأَنهم لم يكونوا قد أَسلموا، فيقال لهم إِن تعودوا إِلى الكفر إِلا إِن أريد تعودوا إِلى كفر آخر، أَو أريد بالعود البقاء على الكفر { نَعُدْ } لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقتلكم وأَسركم وغنمكم { وَلَنْ تُغْنِىَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ } لن تدفع عنكم { شَيْئًا } ضراً، ولن تغنى عنكم شيئا من الإِغناءِ { وَلَوْ كَثُرَتْ } وروى أَنه لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بدر أَتى جماعة من الصحابة بغلامين لقريش، غلام أَسود لبنى الحجاج وأَبو يسار، وغلام لبنى العاصى بن وائل، فقال رسول الله: "أَين قريش" ؟ قالا: وراءَ الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى، فقال صلى الله عليه وسلم: "كم هم" ؟ قالا كثير، قال صلى الله عليه وسلم: "ما عددهم" ؟ قالا: لا ندرى - قال صلى الله عليه وسلم: "كم ينحرون كل يوم" ؟ قالا: يوم عشرة، ويوم تسعة، قال صلى الله عليه وسلم: "القوم ما بين تسعمائة إِلى أَلف" . قال صلى الله عليه وسلم: "من فيهم من أَشراف قريش" ؟. قال: عتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وأبو البخترى بن هشام، وحكيم بن حزام والحارث بن عامر، وطعمة بن عدى والنضر بن الحارث، وأَبو جهل ابن هشام وأُمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل ابن عمرو. فقال صلى الله عليه وسلم: "هذه مكة أَلقت إِليكم أَفلاذ كبدها" . ولما أَقبلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذه قريش قد أَقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذى وعدتنى" . فأَتاه جبريل، فقال له: خذ قبضة من تراب وارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول صلى الله عليه وسلم كفا من حصباءَ عليه تراب فرمى به و جه القوم، وقال: "شاهت الوجوه" ، أَى قبحت. فلم يبق مشرك إِلا ودخل فى عينيه وفمه ومنخريه من ذلك التراب شئ، فانهزموا وتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. وعن قتادة وابن زيد أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ ثلاث حصيات فرمى فى ميمنة القوم بحصاة وفى ميسرتهم بحصاة وبين أَظهرهم بحصاة، وقال: شاهت الوجوه فما كان إِلا انهزامهم { وَأَنَّ اللهَ مَعَ المؤْمِنِينَ } بالنصر والتوفيق، ويجوز أَن يقول أَنا مؤمن إِن شاءَ الله تعالى، بمعنى خوف أَن يكون فيه شئ ناقض لإِيمانه، وأَما على أَن يشك فى إِيمانه فلا إِلا على التبرك فيجوز ولو لم يستثن إِذا أَراد تحقيق ما عنده، وأَنه غير شاك، وأَما على معنى أَنه مؤمن حقا عند الله بحيث يثيبه بالجنة، أَو بحيث الجزم بأَنه لا خلل فيه عند الله فلا إِلا بالاستثناء، قال صلى الله عليه وسلم للحارث بن مالك: "كيف أَصبحت يا حارث" ؟ قال: أَصبحت مؤمنا حقا، فقال صلى الله عليه وسلم: "انظر ما تقول فإِن لكل شئ حقيقة، فما حقيقة إِيمانك" ؟ قال: إِنى عزفت نفسى عن الدنيا، فأَسهرت ليلى، وأَظمأت نهارى وكأَنى أَنظر إِلى أَهل الجنة يتزاورون فيها، وكأَنى أَنظر إِلى أَهل النار يتصارخون فيها. والعطف على إِن الله موهن، أَو على مصدر يبلى، أَو يقدر كان النصر للمؤمنين؛ لأَن الله مع المؤمنين، وقيل: الخطاب فى إِن تستفتحوا إِلخ للمؤمنين، أَى إِن تطلبوا النصر فقد نصرتم فاحمدوا الله، وإِن تنتهوا عن الكسل فى القتال وعن الرغبة فى الأَنفال التى لله ورسوله كما كان منكم، وإِن تعودوا لذلك نعد لكم بالإِنكار، أَو بتغليب العدو عليكم ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت فكيف وقد قلت. أَو ولو جددت لها كثرة بعد فإِن الله مع المؤمنين فيمن كسر إِن. ولا يقوى كما زعم بعض بقوله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ } إِلخ.. لأَن شأن القرآن ترتيب ذكر أَمر المؤمنين بعد ذكر أَمر الكافرين والعكس. { وَلاَ تَوَل‍َّوْا } لا تتولوا، لا تعرضوا { عَنْهُ } أَى عن رسوله لأَنه أَقرب فى الذكر، وذكر طاعة الله توطئة وتنبيه على أَن طاعته فى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، أَو عن الله؛ لأَن الدين وكل شئ عنه، والرسول مبلغ، وعلى الوجهين جعل التولى عن أَمر الله توليا عن الله ورسوله، أَو يقدر مضاف، أَى عن أَمره والإِعراض عن معاونته صلى الله عليه وسلم، ومخالفته إِعراض عنه، أَو الهاء للجهاد لأَن السياق له، أَو للأَمر المدلول عليه بأَطيعوا، وهو أَحد الأَوامر، أَو عن الأَمر ضد النهى كذلك { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } ما يتلو عليكم عن الله من الأَحكام والمواعظ سماع فهم وتصديق.