خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
٤٢
-الأنفال

تيسير التفسير

{ إِذْ } بدل من يوم الأَول على جواز تعدد البدل، أَو من الثانى على جواز الإِبدال من البدل، أَو عطف بيان كذلك، أَو الأول بيان والثانى بدل، وقدر بعض اذكر إِذ أَنتم، وأَجاز بعض تعليقه بقدير، وليس حصراً لقدرته فى ذلك الوقت { أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ } نازلون فى العدوة، أَو ثابتون فى العدوة وهى جانب الوادى، ويطلق أَيضاً على ساحل البحر، سمى لأَنه عدا أَى جاوز ما فى الوادى وخالف أَن يكون منه { الدُّنْيَا } نعت وهو مؤنث لاسم التفضيل الخارج عن التفضيل لأَن المعنى العدوة الدانية أَى القريبة إِلى جهة المدينة لا العدوة التى زاد قربها، وكذا فى قوله { وَهُمْ } أَى المشركون نازلون أَو ثابتون { بِالْعُدْوَةِ القُصْوَى } نعت أَى البعدى، أَى البعيدة لأَنه ليس المراد التى زادت بعدًا ولو كان الواقع ذلك نظراً إِلى العدوة الدنيا، ولفظ القصوى شاذ قياساً فصيح استعمالا، والقياس قلب واوه ياءَ لأَن فعلى الواوى اللام الذى هو اسم واوه ياءَ كالدنيا والعليا فإِنهن ممن دنا يدنو وعلا يعلو وقصا يقصو، وتميم تقول القصيا بالياء، ولا يخفى أَن الدنيا والقصوى صفتان لا اسمان كما رأَيتهما نعتين، إِلا أَنهما لحقتا بالأَسماءَ فى كثرة استعمالهما بلا موصوف وفى عدم المطابقة كما هو شأْن اسم التفضيل لا يطابق إِذا كان نكرة، وجاز أَلا يطابق إِذا كان مضافاً إِلى معرفة، كذا قالوا مع زيادة إِيضاح منى، وفيه أَن الخارج عن التفضيل يطابق، وأَن القصوى قل استعماله بلا موصوف بخلاف الدنيا، والصواب ما قاله الزمخشرى فى المفصل أَن فعلى تقلب واوه فى الاسم دون الصفة، وأَن القصوى صفة، أَى جار على القياس، وقرأَ زيد بن على القصيا بالياء { وَالرَّكْبُ } الإِبل ومن معها أَو الإِبل أَو من معها وهم أَربعون رجلا من قريش قفلوا من الشام بتجر، منهم أَبو سفيان، ويطلق على عشرة فصاعداً { أَسْفَلَ } ماضون حاصلون مع التنقل فى موضع أَسفل { مِنْكُمْ } من موضعكم إِلى ساحل البحر على ثلاثة أَميال من بدر، وفائدة ذكر المواضع الثلاثة العدوتين وموضع الركب عقابهم على أَلا يسلموا الخمس، وعدم القناعة بأَربعة الأَخماس مع ما أَنعم الله به عليهم من النصر فى محل مظنة عدم الصبر لقلتهم وضعفهم واختلافهم وخروجهم للعير لا للقتال وكثرة العدو وقوتهم واتفاقهم واستظهارهم بالركب بحيث لو استغاثوا برجال الركب وما لهم لحضروا إِذ قربوا، ولحرصهم على القتال عن الركب، كما أَن العرب يستحضرون أَموالهم وأَولادهم ونساءَهم فيشتد قتالهم عنها غيرة أَن يعيروا بغنمها فلا يزحزحون عن موضعهم، ولأَنهم فى عدوة مع ماء وعدم رمل يعطلهم وأَنتم فى أَرض رمل وعدم ماء، وكان الماء وتلبد الرمل بعد، والواو حالية أَو عاطفة { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ } أَيها المؤمنون مع عدوكم للقتال ففيه تغليب الخطاب على الغيبة { لاخْتَلَفْتُمُ } أَنتم أَيها المؤمنون خاصة { فِى الْمِيعَادِ } أِى فى شأَن التواعد فيخرج بعضكم دون بعض تخوفا من الضعف والقلة وكثرة العدو وقوته والإِياس من الظفر، وأُجيز رجوع الضمير فى الموضعين للمؤمنين والكافرين، أَى لو تواعد المؤمنون والكفار لاختلف المؤمنون مع الكفار، والكفار مع المؤمنين بأَن يهابوكم كما تهابونهم، بل مع اختلاف كل فريق فيما بينهم أَيضاً، بعض الكفار يريد القتال وبعض يخاف كما أَنتم فى اختلاف، وما مر أَولى لأَن البيان ضعف المسلمين { وَلَكِنْ لِيَقْضِىَ } جمعكم على هذه الحالة ليقضى { اللهُ أَمْرًا } هو نصركم { كَانَ مَفْعُولاً } فى علمه وحكمه، أَو حقيقاً بأَن يفعل، أَو بمعنى سيفعل، وقلق الكفار على عيرهم فنفروا لها، وأَخبر المؤمنين بها فرغبوا فى أَخذها فخرجوا فكان النصر على الرجال لا على الركب.
{ لِيَهْلِكَ } بدل من ليقضى، أَو متعلق بيقضى، والمعنى ليموت { مَنْ هَلَكَ } من مات { عَنْ بَيِّنَةٍ } صادراً أَو متنقلا إِلى الآخرة عن حجة واضحة لا تبقى معها شبهة فى أَن دين الإِسلام هو الحق، فإِن وقعة بدر وأَحوالها برهان عظيم ظاهر { وَيَحْيَى } يعيش { مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } صادراً عنها بقبولها والعمل بها كمن ورد مشرعة ماءَ وأَخذ منها وصدر، أَو أَراد بالهلاك الكفر وبالحياة الإِيمان، على الاستعارة أَو التجوز الإِرسالى، والبينة ظهور كمال القدرة، وعلى الوجهين المراد المشارفة أَو الإِرادة، أَى ليهلك من شارف الهلاك أَو أَراد الهلاك ويحيى من أَراد الحياة أَو شارفها، أَو من هلك فى قضاء الله وحى فى قضاء الله، أَو ليزداد الهلاك أَى الكفر ويزداد الحياة أَى الإِيمان، وهذا على حمل الآية على عموم الموصلين فى جانب الحياة بمعنى الإِيمان كعموم الكفر، أَو يعتبر المضى بالنظر إِلى علم الله عز وجل وقضائه، والاستقبال إِلى الوجود خارجاً، وذلك كله دفع لتحصيل الحاصل { وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ } عليم بكفر اللسان من صاحبه وبعقابه، وبإِيمان اللسان وثوابه { عَلِيمٌ } بكفر القلب والجوارح وعقابه وإِيمانهما وثوابه، وكل من الإِيمان والكفر مشتمل على الاعتقاد والقول، وذلك على الإِطلاق لا بخصوص القضاء بأَحوال بدر، وإِن أُريد أَحوالها اختص بكون الهلاك الكفر والحياة الإِيمان، ولا يتصور هذا التفسير على أَن الحياة التعيش والهلاك الموت.