خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٤٦
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٤٧
-الأنفال

تيسير التفسير

{ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ } فى اللقاء كغيره، ولا تفعلوا ما يكون عوناً لأَعدائكم عليكم { وَلاَ تَنَازَعُوا } لا تختلفوا فيما بينكم من أَمر الحرب كبدر وأُحد، وأَما المنازعة فى بيان الحقْ فمأْمور بها مع الإِخلاص وعلامته الفرح بظهور الحق ولو على لسان خصمه، وسواء فى ذلك ما يرجع لشأن الحرب وغير ذلك { فَتَفْشَلُوا } تكسلوا جبناً أَو اغتياظاً منصوب فى جواب النهى، أَو مجزوم بالعطف أَى فلا تفشلوا، ويدل له أَنه قرئَ { وَتَذْهَب } ريحكم بالجزم، والمشهور وهو قراءَة نافع النصب على أَن تفشلوا منصوب، وعلى جزمه يكون نصب تذهب على المعية فى جواب النهى { رِيحُكُمْ } دولتكم الشبيهة بالريح لجامع النفاذ، أَو الريح الحقيقية فإِنه لا نصر للمؤمنين إِلا بريح تهب من الله إِلى جهة المؤمنين فتذهب منهم إِلى العدو وتضرب وجهه، وعنه صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا وأُهلكت عاد بالدبور" . ونصر بها هود فى غير قتال. قال النعمان بن مقرن: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إِذا لم يقاتل أَول النهار انتظر حتى تميل الشمس وتهب الريح، والنزاع كان فشا فى أَهل التوحيد فملكهم أَهل الشرك، ولو رجعوا إِلى مذهبنا فى الأُصول أَو أَغضوا عن مسائل الخلاف كأَن لم تكن، وكانوا يداً واحدة لغلبوا على أَهل الشرك، وأَهل الشرك الآن مشغولون بالاحتيال فيما يملكون به غيرهم، وأَهل التوحيد بعضهم معين لهؤلاء وبعضهم بطال معرض، وبعضهم يعبد الله عز وجل ولا يشتغل بالدعاء عليهم، وبعضهم مكب على التأْليف ولا يحسن إِلا ما كان على طريق تأَليف الشيخ عبده والشيخ مصطفى بن إِسماعيل والشيخ قاسم بن سعيد، ولذلك قلت أَكب على التأْليف، إِذ لم نجد لنا بنا غازياً يوماً ولا من يهم بغزو. وقد كان هذا الخلاف والزلل فى زمان الصحابة، كما أَعطى عثمان بن عفان ابن الطريد مروان ابن الحكم إِفريقية ستمائة أَلف دينار، وكما كان يعزل عمال عمر ويستخلف أَقاربه كسعد بن أَبى وقاص أَبدل به الوليد بن عقبة، وكان أَخا عثمان لأُمه، وكعمرو بن العاص أَبدل به عبد الله بن سعد ابن أَبى سرح، وكان أَخاه من الرضاع، وكأَبى موسى الأَشعرى أَبدل به عبد الله بن عامر بن كريز وهو ابن خاله، واستكتب مروان ابن الحكم بن أَبى العاص، وهو ابن عمه، واجتماع أَمثال هذه الأُمور ونحوها مسقطة لأَن يقال فيه فعل ذلك لمصلحة شرعية اقتضاها الحال، وقد ندم على بن أَبى طالب على قتل من قتل، وقال إِنهم أَصحاب القرآن والتوراة والإِنجيل، إِلا أَنه لم يكمل ندمه. وقد قالوا: لا تنزع منك اسم الإِمامة وقد ثبتت لك ولو كره معاوية، وقد ارتضاهم الإِمام عمر بن عبد العزيز، وأَثبت الإِمامة لعلى، وفى المسعودى ارتقى الأَمر بأَصحاب معاوية إِلى أَن جعلوا لعن على سنة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير ويلعنونه على المنابر { وَاصْبِرُوا } على شدة الحرب { إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } بالحفظ والنصر بمعنى أَن من أَسبابها الصبر. أَو من قتل فى الله محفوظ الدين منصور أَيضاً بالجنة والحجة { وَلاَ تَكُونُوا } بعد بدر، أَو هذا قبل خروج الكفرة { كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } بمكة فيصيبكم مثل ما أَصابهم كَأَبى جهل ومن معه { بَطَرًا } ذوى بطر أَوبمعنى بطرين بكسر الطاء، أَو يبطرون بطرا أَو لأَجل البطر، وكذا فى قوله { وَرِئَاءَ النَّاسِ } والحال مقارنة، وقيل مقدرة والتعليل للحصول أَو للتحصيل، والبطر كفر النعمة أَو الفخرِ، والفخر أَيضاً كفرها. والخروج لمنع العير لا ينافى أَنهم قرنوا بالفجر والرياء بإراءة الناس أَنهم ممن لا يجبن، وأَنهم ممن لا يترك ماله لعدوه وأَنهم ممن لا تعجزه النفقة على العدد الكثير فلا حاجة إِلى أَن يقال إِنهم خرجوا للعير فقط، وحدث لهم البطر والرياء حيث سلمت العير وقبل وقوع القتال، وأَن التقدير ولم يرجعوا بعد سلامة العير بطراً ورئاءَ الناس، وافاهم رسول أَبى سفيان من الركب وهم بالجحفة، وقال: ارجعوا فقد سلمت عيركم، فقال أَبو جهل لعنه الله، وكان سفيها يعجل حديداً: لا والله حتى نقدم بدراً، ونشرب الخمور، وننحر الجزور، وتضرب علينا القينات، ويشهر ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إِن قريشاً قد أَقبلت بفخرها وخيلائها لمعارضة دينك ومحاربة رسولك.. اللهم فنصرك الذى وعدتنى" . وقال لأَبى جهل بعض من معه: ارجعوا فقد سلمت عيركم واجعلوا علىَّ جبنها، فأَبى، والقينة الأَمة مغنية وغيرها، لا كما قيل يختص بالمغنية { وَيَصُدُّونَ } الناس أَو يعرضون أَنفسهم { عَنْ سَبِيلِ اللهِ } عطف على خرجوا أَو حال من واو خرجوا، أَى وهم يصدون، وكان بالمضارع للتكرر من عادتهم الصد للناس، أَو الصدود عن سبيل الله بخلاف الخروج المذكور فإِنه مرة، وبخلاف بطرهم ورئائهم فإِنهما دأَبهم قبل الإِسلام وبعده، ولا حاجة إِلى عطفه على بطراً أَو على رئاء بتقدير أَن الأَصل وأَن يصدوا فحذفت أَن ورفع المضارع، ولا إِلى دعوى العطف بلا تقدير حرف المصدر شذوذاً وتنزيلا للمضارع منزلة الاسم، ولا إِلى عطفه على بطرا ورئاءَ بتأْويلهما باسم الفاعل أَى بطرين بكسر الطاء ومرائين على الحالية، وفى الآية الأَمر بالشكر والاتضاع لله بدل البطر. والإِخلاص بدل الرئاء، والدعاء إِلى سبيل الله والإِقبال إِليه بدل الصد عنه والصدود، فذلك النهى أَمر بالضد { وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } علماً به كله قليله وكثيره، فهو يعاقبهم عقابا عظيماً وقد بدلهم الله بشرب الخمور شرب كأس الموت. وبدل ضرب القيان بنوح النائحات، ونحر الجزور بقتل سبعين، وبدل تعاظمهم بأَسر سبعين منهم، وبدل إِنفاق أَموالهم بغنم ما بقى منها.