خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
٦٠
-الأنفال

تيسير التفسير

{ وَأَعِدُّوا } أَيها المؤمنون { لَهُمْ } للمشركين مطلقا المعلومين من المقام الشاملين لمن نقضوا العهد ومن نجا من بدر، وإِن أريد خصوص هؤلاءِ استلحقوا غيرهم، والمعنى هيئوا لقتالهم { مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } أَى قوة كانت مما يتقوى به فى الحرب، ومن للابتداء متعلق بأَعدوا، أَو للبيان متعلق بمحذوف حال من ما أَو من رابطه المحذوف، قال عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول "وأَعدوا لهم ما استطعتم من قوة" أَلا إِن القوة الرمى، ثلاثا، رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم "انتضلوا أَو اركبوا، وأَن تنتضلوا أَحب إِلىَّ، والراكب لا يقاتل بالنشاب بل بالسيف والرمح" ، وهذا تمثيل للقوة منه صلى الله عليه وسلم، لا حصر منه للقوة فى الرمى، فيلتحق منه التحصن بالبناءِ وبالدروع وبالترس والسيف والرمح. وبكل ما يتقوى به على العدو، إِلا أَنه فضل الرمى كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" مع أَنه أَيضا الإِحرام والطواف والسعى، وأَفعال منى، والآن يجب على عامة الموحدين، ولا سيما السلاطين وأَتباعهم أَن يستعدوا بالرصاص والبارود والمدافع، ويتعلموا ذلك تعلما كليا محققا ويعلموه الأَجناد لعلهم يزيلون بعض غلبة أَهل الشرك، والآية شاملة لهذا بالمعنى والإِلحاق والقياس وكأَنها نص فيه، وقيل: القوة الحصون، ويناسبه ذكر الخيل، والعرب تسمى الخيل حصونا، وهى حصون لا تحاصر، قال شاعرنا:

ولقد علمت على مجنبى الردى أَن الحصون الخيل لا مدر القرى

وهو قول ضعيف فى التفسير بعيد عنه، والقوة التى فى الكهف قوة البدن لا كالتى هنا { وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } حبسها لسبيل الله عز وجل من إِضافة المصدر لمفعوله والفعل على غير بابه، أَو من الخيل الرباط أَى ذوات الرباط، أَوجمع ربيط أَى الخيل الربيطات، أَى المربوطات من إِضافة الصفة للموصوف، كفصيل وفصال، أَو جمع ربط ككعب وكعاب، ويجوز أَن تكون الإِضافة للتبعيض، أَى المربوط الذى هو بعض الخيل { تُرْهِبُونَ } تخيفون حال مقدرة من واو وأَعدوا أَو ما من أَو من عائد ما { بِهِ } أَى بما استطعتموه، وهو أَولى من رد الضمير للإِعداد المعلوم من أَعِدوا، وكانت الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف لكونها أَقوى على الكر والفر، ولكون صهيلها إِرهابا للعدو، وإِناثها عند البيات والغارات لقلة صهيلها، قال صلى الله عليه وسلم "من حبس فرسا فى سبيل الله إِيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإِن شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة" وعنه صلى الله عليه وسلم "الخيل معقود فى نواصيها الخير إِلى يوم القيامة" وقال "التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى" وكان صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل وهو الذى ثلاث قوائمه محجلة وواحدة مطلقة، شبيه بالشكال الذى يشكل به الخيل لأَنه يكون فى ثلاث قوائم غالبا، وقيل: الذى واحدته محجلة وثلاث مطلقة، وقيل: الذى إِحدى يديه وإِحدى رجليه محجلتان من خلاف، وكرهه لأَنه كالمشكول، أَو جرب ذلك فلم توجد فيه نجابة { عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ } أَى المتصفين بعداوة الله وعداوتكم، عادوا الله وعادوكم وهم كفار مكة وحواليها لأَن الكلام فيهم، وكفرهم أَشد قبحا لأَن القرآن بلغتهم، وعلى رجل منهم ومن نسبهم قائما فيهم لم يجربوا عليه ريبة أَو كذبا، وقد اتضح لهم الحق كالشمس فى نصف النهار من يوم الصحو، وقيل لهم وسائر كفار العرب، ويلتحق بهم سائر الكفار إِلى آخر الدهر من العرب والعجم { وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ } هم المنافقون. من المراد الإِرهاب ولو بلا قتال، فهو يرهبهم بالقوة والخيل فتنكسر شوكتهم وتنقص إِعانتهم الأَعداء سرا، وهؤلاءِ يقاتلهم لئلا يقال: يقتل أَصحابه. وقد يقال: تشمل الآية اليهود لأَنهم يجاملون فيظنهم المؤمنون أَنهم سلم ولا يعلمونهم يحاربون وهم ينافقون أَيضا كمنافقى المدينة فلا يعلمون بواطنهم، ويعلم بمعنى يعرف فلا مفعول ثانيا له، ولا حاجة إِلى قول مشاكلة لما قبله، أَى لا يعرفونهم فى أَنفسهم والله يعرفهم، ثم رأَيت مجاهدا قال: هم قريظة، والسدى قال: هم أَهل فارس، وعنه صلى الله عليه وسلم "هم الجن" ولا يخبل الشيطان إِنسانا فى داره فرس عتيق فذلك إِرهاب للجن، روى عن ابن عباس، واختاره الطبرى، ويحتمل أَن صهيلها فى الجهاد إِرهاب لجن المشركين، ويجوز وصف الله بالمعرفة كما قال عمرو بن جميعرحمه الله والسعد، أَو يقدر مفعول ثان، أَى لا تعلمونهم ناصبين لكم الحيلة للإِهلاك والله يعلمهم ناصبين وقدر البعض لا تعلمونهم على ما هم عليه من العداوة، وهو راجع فى الحقيقة إِلى تقدير الثانى ناصبين كما مر، أَو محاربين أَو معادين والحق أَن الخلاف فى وصف الله تعالى بالمعرفة إِذا كان بمادة عرف. أَما بلفظ علم بمعنى علم ذاته فلا قائل بأَنه تعالى يعلم نفس ذوات الأَشياءِ، وشهر أَن الله عز وجل لا يوصف بالمعرفة، وأَنها تختص بتقدم الجهل. { وَمَا تُنْفِقُوا } أيها المؤمنون { مِنْ شَىْءٍ فِى سَبِيلِ اللهِ } فى التقرب إِلى الله جهادا وغيره { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } يحضر لكم ثوابه بالخلف فى الدنيا والآخرة، وهذا استخدام لأَن يوف لما أَنفقوا مراد به الجزاء ويقدر مضاف أَى يوف جزاءَه { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } لا يجور عليكم الله بترك الثواب أَو بعضه، وفى هذا مبالغة فى وعد الله بالثواب والوفاءِ به حتى كأَنه لو تركه كان ظالما، وكأَنه واجب عليه مع أَنه لا واجب عليه، فلو شاءَ لم يثب المطيع، كما لا يعذبه، أَو لا تظلمون، لا ينقص من ثوابكم شئ، أَو من أَعمالكم بالإِحباط.