خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٣٠
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ } قاله بعض متقدميهم ونسب إِليهم مطلقاً لرضاهم عن قائله؛ كما نسب إِليهم قتل الأَنبياء لرضاهم عمن قتلهم. وعدم اللعن والتبرى رِضًا. وعن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال سلامة بن نشكم ونعمان بن أَبي أَوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا. ولا تزعم أَن عزيرا ابن الله، فنزلت. وقيل: قاله فنحاص بن عازوراءَ وحده ورضوا به، وهو القائل { إِن الله فقير ونحن أَغنياء } [آل عمران: 181] وعلى كل حال لم ينكر اليهود ذلك حين نزلت مع أَنهم فى غاية التكذيب. ولو أَنكروه لم يفد إِنكارهم مع إِخبار الله عز وجل به عنهم، وكذا عادة اليهود والنصارى يبدلون ما فى القرآن إِلى غيره. ويرون غيره عن كتبهم لينسبوا الكذب إِلى القرآن. أَعرض اليهود عن التوراة فرفعت مع التابوت من صدورهم، أَو رفعت لقتل بخت من قرأَها. وهرب عزير إِلى العراق ولم يقتله لصغره، ولما رجع بعد مائة سنة مات فيها صلى مبتهلا، فدخل جوفه نور من السماء، فعادت إِلى قلبه، وقيل: شربها من إِناء ناوله ملك له، ورجعت مع التابوت، أَو وجدوها مدفونة فى كرم، أَخبرهم رجل عن أَبيه عن جده به فيها. وقابلوا ما يقرأ عزير ولم يجدوا تغيرا، وقالوا: ما ذاك إِلا لكونه ابن الله. قال لمولاة مقعدة عمياءَ فى داره: أَنا عزير. فقالت: إِن صدقت فادع الله لى. فدعا فأَبصرت ومشت إِلى كرم معه فأَخبرتهم بموضع دفنت فيه التوراة، فأَخرجوها، وأَيضاً أَبصرت علامة بين كتفيه فعرفته. وعزير مبتدا خبره ابن. وهو عجمى وإِذا لم ينون وإِنما لا ينون العلم إِن كان ابن تابعاً. وقيل: عربى فلم ينون على لغة من يحذف التنوين للساكن بعده لشبه النون بالواو، ولا حاجة إِلى دعوى أَن ابن تابع لعزير والخبر محذوف أَى نبينا أَو إِمامنا أَو معبودنا. وأَما أَلف ابن فيكتب فى القرآن، ولو كان بين علمين تابعاً لأَولهما كما كتب فيها عيسى ابن مريم والمسيح ابن مريم بأَلف، ويرد هذه الدعوى أَنها توجب إِثبات النبوة لأَن التصديق أَو التكذيب راجع إِلى الخبر لا إِلى قيد المبتدأ، وإِذا قلت: زيد بن عمرو قائم سلمت أَنه ابنه، والكلام إِنما هو فى القيام. قلت: إِنما ذلك فى غير ما ذكر بالقول، فهنا نسب إِليهم البنوة والخبر { وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ } مبتدأ وخبر، فليكن عزير ابن الله، كذلك تبادر، إِلا لزوماً، قالوا ذلك لاستحالة ولد بلا أَب عادة، أَو لما رأَوا من معجزاته أَو وجدوا فى الإِنجيل أَو غيره أَنه ابن الله سبحانه بمعنى قرب الشرف، فتوهموا باللفظ، قالت اليعقوبية لعنهم الله: ذلك لأَنه بلا أَب، ولإِبراء الأَكمة والأَبرص وإِحياء ما ليس حيا، وفيه: إِن آدم عليه السلام لا أَب له ولا أُم، والإِبراء والاحياء بالله على يده، أَلا يرونه يصلى لله داعياً الله عز وجل أَن يفعل ذلك. كانوا بعد رفع عيسى عليه السلام على الحق إِحدى وثمانين سنة يصومون شهر رمضان فى وقته ويصلون إِلى القبلة. ومما يروى على ضعف أَنه كان بولس اليهودى قتل جماعة من أَصحاب عيسى عليه السلام. وقال: إِن كان عيسى محقاً دخلنا النار، ودخل أَتباعه الجنة فاحتال لأَن يدخلوا النار معه، فعرقب فرس جهاده ووضع التراب على رأسه، وقال للنصارى: أَنا بولس، نوديت من السماء، لا توبة لك حتى تتنصر، فنصروه فى الكنيسة ولزم بيتاً سنة حتى تعلم الإِنجيل، فقال: نوديت بقبول توبتى، فعلا شأنه فيهم، فعلم يعقوب أَن عيسى ابن الله، ونسطور أَن الله وعيسى ومريم آلهة، وملكان أَن عيسى الله، وأَرسل واحداً للروم وواحداً للفرس، وآخر غير ذلك. ودعا كل واحد إِلى ما علمه، ووقع القتال لذلك. وقد قال لهم: رأَبت عيسى ورضى عنى، وسأَذبح نفسى قرباناً فذبح نفسه { ذَلِكَ } المذكور من ادعاء أَن عيسى ابن الله، ومن ادعاء أَن عزيراً بن الله، أَو من ادعاء أَن عيسى هو الله { قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ } تكرير لذكر عيبهم كما إِذ فَصلت فعل أَحد وقوله ثم ختمت بقولك: هذا فعله أَو هذا قوله، أَو دفع لما قد يتوهم أَنهم أَثبتوا البنوة لعزير وعيسى بالكتب أَو الإِشارة إِلى فعل أَو التزام، أَو ذلك لبيان أَن ذلك قول مجرد عن الحجة ظاهر البطلان فإِن الله جل وعز لا يحتاج ولا يستكمل ولا يشتهى، وليس جسماً كما أَنه ليس عرضاً، ولا تحويه جهة، فكيف تكون له زوج؟ فهو قول بمجرد الفم، فكأَنه تنفيه قلوبهم، ويجوز على بعد أَن يكون المعنى: ذلك قولهم لا قول لمن تبعهم وليس منهم { يُضَاهِئُونَ } أَى يضاهى قولهم بدليل قوله { قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ } فإِن الذات لا تشبه بالعرض، والمضاهاة المشابهة، أَو يقدر يضاهون فى قولهم، ويجوز أَن يضمن يضاهون معنى يحكون فلا يقدر مضاف، أَى يقولون قولا كقول من قبلهم، فإِنك إِذا فعلت ما سبقك غيرك به فكأَنك استحضرت عين ما سبقك غيرك به، والواو الأُولى للنصارى فيكون الذين كفروا من قبل اليهود. أَشبهوهم فى قولهم عزير ابن الله بقولهم المسيح ابن الله، الواو للنصارى واليهود الذين فى زمانه صلى الله عليه وسلم، فالذين كفروا من قبل هم اليهود والنصارى القائلون بذلك قبل زمانه صلى الله عليه وسلم، وفيه تلويح بأَن الكفر فيهم قديم، ويبعد أَن يكون الذين كفروا من قبل مشركى العرب القائلين إِن الملائكة بنات الله لأَنهم ليسوا قبل السابقين من اليهود والنصارى ولا قبل اليهود والنصارى الموجودين فى زمانه صلى الله عليه وسلم وانقطعوا، بل قبلهم واتصلوا ووجدوا فى زمانه، فلا يقال من قبل، إِلا أَن ظاهر كلام مجاهد يدل أَن القائلين إِن الملائكة بنات الله انقطعوا قبل زمانه صلى الله عليه وسلم، فصح أَن يقال: أَشبه النصارى، أَو النصارى واليهود هؤلاء القائلين من قبل، وفيه تقبيح لهم إِذ شابهوا، وهم أَهل كتاب، من ليس من أَهل كتاب. أَو المراد تشبيه كفر اليهود والنصارى بكفر الأُمم الخالية كنصر وذو عاد وثمود وقوم نوح، ومن النصارى أَيضاً من يقول: الملائكة بنات الله، فإِن انقطعوا شبه بهم اليهود والنصارى القائلين ببنوة عزير وعيسى { قَاتَلَهُمُ اللهُ } لعنهم الله، وهو أَمر للخلق أَن يدعوا عليهم باللعنة وبالهلاك. كما يجئ فى القرآن مصروفاً إِلى الناس، أَو ذلك إِخبار بأَن الله قد لعنهم أَو أَهلكهم، أَو تعجب للنبى صلى الله عليه وسلم وغيره من حالهم. فإِن مادة قاتل تستعمل فى التعجب إِذا أَعجبتك خصلة من إِنسان ولو حسنة قلت: قاتله الله، أَو قتله، لا تريد سوءًا بل تعجباً { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } كيف يصرفون، أَو من أَى جهة يصرفون عن الحق إِلى الباطل. وذلك تعجيب للخلق من حالهم إِذ اختاروا الضلال مع وضوح الحق بالبرهان.