خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ
٩٢
-التوبة

تيسير التفسير

{ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ } عطف على قوله على الضعفاءِ كأَنه قيل: وليس على الذين، وقد انسحب عليهم قوله حرج نفياً لأَنه وما بعد فى نية التقديم على حرج آخر لطول الكلام فيه، وهذا أَولى من تقدير حرج بعد قوله أَلا يجدوا ما ينفقون أَو قبله، هكذا، أَى ولا حرج على الذين، ومن عطفه على المحسنين لأَن المقام سيق للعذر لا للكلام على المحسنين { إِذا مَا } صلة للتأْكيد { أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } معك إِلى الغزو على ما تيسر من الدواب وهم السبعة البكاؤون؛ معقل بن يسار، وصخراءُ بن خنساءَ، وعبدالله بن كعب الأَنصارى، وسالم بن عمير، وثعلبة بن عتمة، وعبدالله بن مغفل المزنى، وعلبة بن زيد الأَنصارى ـ بضم العين المهملة وإِسكان اللام ـ أَخو بنى حارثة، وقيل معقل وسويد والنعمان أَولاد مقرن وهو قول مجاهد، ولمقرن أَولاد أَربعة غير هؤلاء، وقيل سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف وعلبة بن زيد وأَبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أَخو بنى مازن بن النجار، وعمرو بن الجموح أَخو بنى سلمة، وعبدالله بن مغفل المزنى وجرمى ابن عبدالله أَخو بنى واقف وعرباض بن سارية الفزارى، وذكر بعض عبدالرحمن بن زيد من بنى حارثة وهو الذى تصدق بعرضه فقبل الله تعالى منه، وينسب هذا التصدق لأَبى ضمضم وقيل أَبو موسى وأَصحابه، وهو قول الحسن { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } من الدواب ومطلوبهم الدواب ذوات الحافر أَو الإِبل، وقيل: سألوه النعال كما قالوا لمن أَدركهم وسأَلهم من جهينة عما طلبوا فقالوا: ما سأَلنا إِلا الحمل على النعال المخصوفة والخفاف المرفوعة، ولم يجد فلم يغزوا معه، وقيل أَعانهم المسلمون فخرجوا، وقيل إِن ابن يامين ابن عمير بن كعب لقى أَبا ليلى وابن معقل يبكيان لذلك فأَعطاهما ناضحاً وزودهما بتمر فخرجا، والجملة بدل اشتمال من قوله أتوك لتحملهم فإِن قوله قلت لا أجد ما أحملكم عليه من ملايمات إِتيانهم ليحملهم لا حال من كاف أَتوك، لأَن قوله لا أَجد ما أَحملكم عليه متأَخر عن إِتيانهم، اللهمَّ إِلا أَن يقال حال مقدرة لأَنه لمجرد إِتيانهم للحمل يقدر أَن لا يحملهم لعدم ما يحملهم، وقد عرف أَنهم أَتوا للحمل، أَو يعرف بأَول كلامهم والإِتيان غير قار، فلا يقال إِن زمان الإِتيان واسع، فيصح أَنها حال مقدرة لا يجوز هذا، وأَيضا فى جعلها حالا إِضمار قد على المشهور، ويجوز أَن يكون جواب إِذا فيكون قوله { تَوَلَّوْا } جواب سؤال مقدر، والأَولى أَنه جواب إِذا، وقلت بدل كما مر، ويجوز أَن يكون قلت لا أَجد إِلخ مقدرة من هاء تحملهم، لأَنهم يحضر فى قلوبهم أَنه لا يحملهم لقلة الإِبل والدواب الحاملة، وزعم السمين تلميذ أَبى حيان أَنه يجوز عطفه بواو محذوف أَى أَتوك وقلت { وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ } الواو للحال ومن بمعنى الباءِ، أَى تفيض بالدمع أَى يحصل الفيض منها بالدمع، والدمع من العين، أَو مصدر، وأما أَن يجعل الجار والمجرور فى محل التمييز وهو قول الكوفيين فلا يجوز. وفى الآية إِسناد الفيض للأَعين مبالغة فى كثرة دموعها وامتلائِها بالدموع حتى كَأَنها نفس الدموع السائلة، والتجوز فى المسند لأَن الفيض بمعنى الامتلاءِ الذى هو سبب الفيض أَو الفيض حقيقة والتجوز فى إِسناده إِلى العين من الإِسناد إِلى المحل، وأَجاز الكوفيون زيادة من فى الإِثبات والتعريف فيجوز عندهم كون الدمع تمييزا { حَزَناً } مفعول من أَجله مع اختلاف الفاعل لأَن فاعل الفيض العيون وفاعل الحزن أَصحابها ولكن اتحد معه لأَن المعنى يبكون حزناً أَو يفيضون الدموع حزناً، ويجوز جعله حالا تقديره بذوى حزن أَو حزنين أَو المبالغة بأَنهم نفس الحزن، وأَجيز كونه مفعولا مطلقاً ليحزنون محذوفاً مؤكدا لغيره وهو الجملة قبله، وجملة يحزنون حال من ضمير تولوا { أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } تعليل لحزنا أَى لأَجل أَنهم لا يجدون، أَو يقدر الباءُ أَى حزنا بأَن لا يجدوا أَو يتعلق بتفيض، أَو تعليل للفعل قبله وعامله أَى فيضا حزنا هو لأَجل أَن لا يجدوا، وإِنما الممنوع تعدد المفعول له بلا تبعية إِذا كان تعليلا له وللأَول لا إِذا كان تعليلا له ولعامله والمضارع للاستقبال كما لا يخفى؛ لأَنهم ظنوا أَنه لا يجدوا بعد رد النبى لهم. وفى الآية إِخبار بالغيب أَنهم سيأْتونك يطلبون الحمل وتقول لا أَجد ويتولون حزنين لذلك، وليست الآية على التجدد لأَنه لم يرد تجدد مجيئهم وردهم إِلا اَن يراد مجىءٌ عدد بعد عدد.