خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
١٨
ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
١٩
أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ
٢٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢١
لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٢٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٣
مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٢٤
-هود

تيسير التفسير

الأشهاد: جمع شاهد. الذين يصدون عن سبيل الله: الذين يصرفون الناس عن الدين. يبغونها عوجا: يريدونها ملتوية معوجة. لا جرم: حقا. واخبتوا: خشعوا واطمأنوا.
بعد ان بين الله ان الناس فريقان: فريق يريد الدنيا وزينتها، وفريق مؤمن بربه وبرسالة رسوله الكريم، ذكر هنا بيان حال كُلٍّ من الفريقين وما يكون عليه في الآخرة. وهو يضرب للفريقين مثلا: الأعمى والأصم، والبصير والسميع.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً }.
أحد أكثرُ ظلماً لنفسه وبُعدا عن الحق من الذين يكذِبون على الله. ان افتراء الكذب في ذاته جريمةٌ نكراء وظلمٌ لمن يُفترى عليه الكذب، فكيف إذا كان هذا الافتراءُ على الله!!
{ أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }.
سَيُعْرَضُ هؤلاء المفترون يوم القيامة على ربهم ليحاسبَهم على أعمالهم السيئة، فيقول الاشهاد من الملائكة والانبياء والناس: هؤلاء هم الذين ارتكبوا جريمة الكذب على الله. بذلك يفضحونهم بهذه الشهادةِ المقرونة باللَّعنة، اي خروجِهم من رحمة الله.
وفي الصحيحَين عن عبد الله بن عمر قال:
"سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يُدني المؤمنَ حتى يضعَ كنَفَه عليه ويسترَهُ من الناس، ويقرِّره بذنوبه ويقول له: اتعرف ذنْبَ كذا؟ اتعرف ذنب كذا؟ فيقول: يا ربِّ أعرف، حتى إذا قرّره بذُنوبه ورأى في نفسه انه قد هلَك قال: فإنّي سترتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفر لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته" .
{ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }.
الذين يَصرِفون الناسَ عن سبيلِ الله، وهو دينُه القيم وصراطُه المستقيم؛ ويريدون ان تكونَ هذه السبيلُ معوجَّة لتوافقَ شهواتِهم واهواءَهم، وهو كافرون بالآخرِة والبعثِ والجزاء.
{ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ }.
هؤلاءِ الّذين يصُدُّون عن سبيل الله لم تكنْ لهم قوةٌ تعجِز اللهَ عن أخذِهم بالعذاب في الدنيا، ولم يكن لهم أنصارٌ يمنعون عنهم العذابَ لو شاء ان يُعَجِّلَه لهم. انهم سيلقون ضعف العذاب في الآخرة.
ثم بين علة هذه المضاعفة للعذاب بقوله:
{ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }.
لقد أعماهم وأصمَّهم انهماكهم في الكفر والضلال حتى كرهوا ان يسمعوا القرآن أو يبصروا آيات الله في الكون.
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
هكذا اضاع اولئك الكافرون أنفسهم، ولم يربحوا بعبادة غير الله شيئاً، وغابَ عنهم في الآخرة ما كانوا يفترونه من الكذِب على الله في دنياهم.
{ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ }.
حقا إنهم أشدُّ الناس خسارةً في الآخرة، وبذلك يكونون قد أضاعوا أنفسَهم في الدنيا والآخرة.
وبعد ان بين الله حال الكافرين واعمالهم ومآلهم، بين حال المؤمنين اصحاب العمل الصالح وعاقبة أمرهم فقال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
ان الذين آمنوا بالله ورسُله، وعملوا الاعمالَ الصالحة، وخشعتْ قلوبُهم واطمأنّت الى ربها، سيكونون أهل الجنةِ خالدين فيها ابدا.
{ مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ }.
مثل الفريقين: الكافرين والمؤمنين: الكافرين كالأعمى الذي يسير على غيرِ هدى، والأصمِ الذي لا يسمع ام يُرشده إلى النجاة؛ والمؤمنين، كالمبصِر يرى طريقَ الخير، وقويِّ السمعِ الذي يسمع كل ما ينفعه.
{ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }.
هل يستوي هذانِ الفريقان في الحال والمآل؟ افلا تتفكرون ايها الناس فيما بين الباطل والحق من خلاف فتعتبروا به، وتسيروا على الصراط المستقيم!