خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ
٨٩
كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ
٩٠
ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ
٩١
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٩٢
عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٣
فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٤
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
٩٥
ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٩٦
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
٩٧
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
٩٨
وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
٩٩
-الحجر

تيسير التفسير

سبعا من المثاني: سورة الفاتحة. وبعضهم يقول: انها سبع السور الطوال: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الانعام، الاعراف، ويونس. لا تمدن عينيك: لا تنظر او لا تَتَمنَّ. واخفض جناحك للمؤمنين: تواضع لهم. المقتسمين: اليهود والنصارى. عضين: اجزاء، مفردها عضة. فاصدع بما تؤمر: اجهر بِهِ. اليقين: الموت.
في ختام هذه السورة العظيمة يمن الله على الرسول الكريم أنه اعطاه القرآنَ العظيم ومنه السبعُ المثاني، ويوصيه ان لا ينظر الى ما عند غيره، ويتواضع للمؤمنين، ثم يخلُص الى البيان السابق وهو أمرُ النبي عليه الصلاة والسلام ان يجهرَ بالدعوة ولا يحزنَ عليهم ولا يضيقَ صدرُه بما يقولون، فان الله تعالى كفاه أمْرَهم، وسوف يعلمون، وأمَرَه ان يعبد ربه حتى ينتهي أجلُه من هذه الحياة.
{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ }.
ولقد اكرمناك ايها النبي بسبع آياتٍ من القرآن هي سورةُ الفاتحة التي تكررها في كل صلاة. وهذه السورة لها مكانتها الخاصة، لانها تشتمل على مجمل ما في القرآن. فمقاصد القرآن هي: بيانُ التوحيد، وبيان الوعد والبشرى للمؤمنين، وبيانُ الوعيد والانذار للكافرين والمسيئين، وبيانُ السعادة في الدنيا والآخرة، وقصصُ الذين أطاعوا الله ففازوا، والذين عصَوا فخابوا.
والفاتحة تشتمل بطريق الايجاز والاشارة على هذه المقاصد ولذلك سميت "ام الكتاب" والسبع المثاني.
وبعد ان عرف الله رسوله عظيم نِعمه عليه، نهاه عن الرغبة في الدنيا فقال:
{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }.
لا تتمنَّينَّ ايها الرسول ما جعلنا من زينة الدنيا متاعاً للاغنياء من اليهود والنصارى والمشرِكين، فإن هذا كله زائلٌ وزهيد بالنسبة لما أُوتيتَه من كمال الاتصال بنا ومن القرآن العظيم.
والخطاب تعليمٌ للمؤمنين، فقد رُوي أنه أتتْ من بُصرى الشام سبع قوافلَ لقريظة والنضير من اليهود في يوم واحد، فيها أنواعُ البضائع من الطيِّب والجواهر والألبسة، فقال المسلمون: لو كانت لنا لتقوَّيْنا بها، ولأنفقناها في سبيل الله.
فالله تعالى يعلّمهم ان هذا كلَّه لا قيمةَ له بالنسبة لما أُوتيتم، "ولا تحزَن عليهم" بسبب استمرارهم على الغيّ والكفر، وتواضعْ يا محمد لمن اتبعك من المؤمنين.
ثم بيّن وظيفة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال:
{ وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ }.
وقل ايها الرسول للناس اجمعين أنا النذيرُ لكم من عذابٍ أليم، فارجعوا الى الله وآمِنوا بما انزلَ اليَّ تربحوا وتفوزوا بالجنة.
ثم بعد ان ذَكر الله أنه اكرم الرسولَ بالقرآن العظيم والسبعِ المثاني - يبيّن هنا أن الذين سبقوه من اليهود والنصارى قسّموا القرآن الى أجزاء، قبِلوا بعضَه وكفروا ببعض منه. فقال:
{ كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ }.
وكم آتيناكَ سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، أنزلْنا من قبلِك على اليهود والنصارى التوراةَ والإنجيلَ، وهم الّذين اقتسموا القرآنَ فآمنوا ببعضه الذين وافقَ ما عندهم، وكفروا ببعضٍ، وهو ما خالفهم.
{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
فوا الذي خلقَك ورباك لنسألَنّ الكفارَ جميعاً عن ما كانوا يقولون ويفعلون، ولنحاسبنَّهم أجمعين.
ثم يؤكد الله تعالى على نبيه بالجهر والقوة في تبليغ الرسالة جهد المستطاع فيقول:
{ فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ }.
فاجهرْ بدعوة الحق، وابلاغ ما أُمرتَ به، ولا تلتفت الى المشركين وما يقولون.
ولما كان ما يلاقيه من المشركين امرا عسيرا، واذى كبيرا، طمأنه الله بانه هو يكفيه شرهم فقال: { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ }.
إنا كفيناك شر المستهزئين من قريش الذين كانوا يسخرون منك ومن القرآن، وكانوا طائفةً من قريش لهم قوة، وكانوا كثيري السفاهة والأذى للرسول الكريم، وقد أبادهم الله وأزال كيدهم، فهم: الوليدُ بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعديّ بن قيس، والأَسود بن عبدٍ يغوث. وقد ماتوا جميعا.
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال:
{ ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }.
انهم اتخذوا آلها مع الله يعبدونه، فسوف يعلمون عاقبة امرهم، يوم القيامة، يوم يرون العذاب الشديد.
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }.
إنا نعلم ما يصيبك من ضيق وألم نفسي بما يقولونه من الفاظِ الشرك والاستهزاء، فسّلاه الله تعالى بان يسبح ويلوذ به، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال حياته حتى يأتيه اليقين.
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }.
وهذا هو ختام السورة: ارشاد من الله تعالى أن يكشف ما يجده من الغم باللجوء اليه بعمل الطاعات، والاكثار من العبادات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا حَزَبَه امر واشاد عليه خطب، فزع الى الصلاة.
اللهم وفقنا لطاعتك، واهدنا لعبادتك، واجعلنا من المتقين الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليم ولا الضالين.