خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً
٤
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
٥
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً
٦
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً
٧
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً
٨
-الإسراء

تيسير التفسير

وقضينا: اخبرنا بالوحي. لتعلن: لتطغون. فجاسوا خلال الديار: دخلوها ووطئوها. رددنا لكم الكرة: اعطيناكم الغلبة. اكثر نفيرا: اكثر عدداً. وليتبروا ما علوا تتبيرا: وليهلكوا ويدمروا ما استولوا عليه من بلادكم تدميرا. حصيرا: مكانا للكافرين.
بعد ان ذكر تعالى انه أكرم رسولَه محمداً عليه الصلاة والسلام بالإسراء من مكة الى بيت المقدس - ذكر هنا ما أكرم به موسى قبله من إعطائه التوراة، وجعلها هدى لبني اسرائيل، لكنهم أعرضوا عنها ولم يعملوا بهدْيها، بل أفسدوا في الأرض.
{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً }.
فافسدوا واعلوا علوًّا كبيرا.
{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً }.
كانت هذه الحملة الاولى من الملك البابلي نبوخذ نصر سنة 597 قبل الميلاد على مملكة يهوذا، فاستولى على القدس وسبى اليهود ومعهم ملكهم "يهوياكين" واهل بيته، واخذ جميع ما عندهم من اموال وذهب وكنوز.
ثم عاد نبوخذ نصر في حلمة ثانية سنة 586 قبل الميلاد يعني بعد احد عشر عاما واحتل القدس وخربها واحرق الهيكل وسبى نحو 50 الف من اليهود.
وبقي اليهود في بابل الى ان جاء كورش الاخميني سنة 539 قبل الميلاد فسمح لهم بالعودة الى فلسطين، فعاد قسم وبقي عدد كبير في بابل ولم يعودوا لانهم استوطنوا واصبح لهم أملاك وتجارة، وحاولوا بناء الهيكل، فاحتج السكان من غير اليهود والاقوام المجاورين من الحثيين والحوريين والعمونيين والأدوميين، ولم يتم بناء الهيكل، وبقي الى ان احتل دارا الأول ملك الفرس البلاد فسمح لهم ببناء الهيكل سنة 515 قبل الميلاد.
فاذا اعتبرنا هذه الفترة كلها هي الأولى، تكون هي المقصودة بقوله تعالى: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }
وتكون هذه الفترة فترة استقرار. ثم جاء عهد اليونان حيث لاقوا اسوأ الحالات في عهد الملك السلوقي انطيوخس الرابع وذلك سنة 175 - 164 قبل الميلاد، اذ دمر الهيكل ونهب خزائنه واجبر اليهود على نبذ اليهودية واعتناق الوثنية اليونانية. وبقي الصراع بين اليهود يشتد حتى اندلعت ثورة المكابيين ودام عصرهم نحو قرن وربع، الى ان جاء الرومان، وعين الملك هيرودس الأدومي فسمح لليهود باعادة بناء الهيكل سنة 39 قبل الميلاد. وفي سنة 66 م. قامت ثورة عارمة شاملة من اليهود على الحكم الرماني، بعد سلسلة من المعارك سيطر تيطس الروماني على الموقف وتمكن من القضاء على اليهود سنة 70. واوقع فهيم مذبحة مريعة وخرب المدينة، واحرق الهيكل ودمره نهائيا فأُزيل من الوجود بحيث لم يعد يهتدي الناس الى موضعه، وسيق الاحياء عبيدا.
ويقول المسعودي ان عدد القتلى من اليهود والمسيحيين بلغ ثلاثة ملايين، فيكون هذا معنى قوله تعالى:
{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }.
هذا محصل تاريخ اليهود في فلسطين والله اعلم.
فاذا تأملنا في الآيات الكريمة نجد النصَّ الصريحَ على ان بني اسرائيل اذا حكموا وسيطروا طغوا وبغوا وافسدوا في الارض وعلَو علّوا كبيرا، واذا لم يحكموا افسدوا وسيطروا على المال، وهذا ما نراه اليوم من طغيانهم وبغيهم وتسلطهم في فلسطين. وهم في بقية انحاء العالم ايضا مفسِدون مسيطرون، يسيِّرون الحكام والزعماء على اهوائهم وحسب ما يريدون، وينشرون الفساد في كل ارجاء العالم، وسيظلون على هذا الحال ولا يمكن ان يغيروا من طباعهم وتعاليم دينهم المحرَّف. والله تعالى يقول:
{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }.
فالمفهوم أن اليهود عادوا وسيعودون الى الإفساد ما دام لهم سيطرة، وفيهم بقية، فلهم جهنم تحصرهم فلا يفلت منهم احد، وتتسع لهم فلا يند عنها احد.
فالمفسرون على اختلاف طبقاتهم اعتبروا المرَّتين مضى زمانُهما، الاولى في عهد نبوخذ نصر والاخيرة في عهد تيطس الروماني حيث زال الهيكل وزال حكمهم.
وفي عصرنا هذا وبعد وجود كيان اليهود الجديد، كتب بعض المفكرين يقول: ان الفترة الثانية هي هذه بوجود دولة اسرائيل (ودار نقاشٌ طويل في الصحف، والمجالس، وشهدتُ بعض هذا النقاش في المغرب لما كنتُ هناك) وان الله سيبعث عليهم من يدمرهم.
والواقع ان وجود اسرائيل تقوّى وتمركز بتفككنا نحن العرب والمسلمين، وبعدنا عن ديننا. ونحن الذين جعلناهم اقوياء بخلافاتنا، ومحاربة بعضنا بعضا. وواقعهم غير صحيح، ودولتهم تعتمد على شيئين امريكا تمدها بالمال والسلاح، وضعفنا انشقاقنا وخلافاتنا، فمتى وحّدنا كلمتنا وجمعنا صفوفنا وعزمنا على استراداد مقدساتنا فان اسرائيل تزول ولا يبقى لها وجود، والله تعالى: يقول
{ { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد:7].
قراءات:
قرأ حمزة وابو بكر وابن عامر: "ليسوء" بالافراد، وقرأ الكسائي: "لنسوء" بالنون.