بعد هذه الجولة في سورة العنكبوت، والحديث عن الفتنة والابتلاء والاغراء وقصص بعض الانبياء وأممهم، والذين بهرتهم قوى المال والجاه، فظنوا انها تحميهم من الله - يضرب الله المثلَ لحقيقة القوى المتصارعة في هذه الميادين وانهم خاطئون بكل تقديراتهم، وان هنالك قوة واحدة هي قوة الله، وما عداها فهو هزيل ضعيف، لن يحميهم الا كالعنكبوت الضعيفة التي اتخذت أوهنَ البيوت لحمايتها.
ثم زاد الله الانكار توكيدا بقوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
فكيف يتسنى للعاقل ان يترك القادر الحكيم ويعبد سواه!!،
بعد ذلك بين الله فائدة ضرب الامثال للناس، وانه لا يدرك مغزاها الا ذوو الألباب الذين يعلمون ويعقلون. إن الإله الذي يستحق العبادة هو الذي { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ }، لا عبثا ولا لعباً بل لحكمة يعلمها المؤمنون، وفي نظام دقيق لا يتخلف ولا يبطىء ولا يصدم بعضه بعضا. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } الذين تتفتح قلوبهم لآيات الله الكونية وعجائب هذا الكون الكبير.
وبعد نهاية هذه الجولة العظيمة سلّى رسوله الكريم بتلاوة ما أوحى اليه من الكتاب، وامره بإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، هي اكبر مطهر للانسان حين يقيمها حق الاقامة.
{ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }.
فذِكر الله اكبر من كل شيء، واكبر من كل تعبد وخشوع. والله يعلم ما تفعلون من خيرٍ وشر فيجازيكم عليه.
قراءات:
قرأ ابو عمرو ويعقوب عاصم: ان الله يعلم ما يدعون من دونه، بالياء، والباقون: ان الله يعلم ما تدعون من دونه، بالتاء.