خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٤١
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٣
-المائدة

تيسير التفسير

الحزن: ألمٌ يجده الإنسان عند فَوت ما يحب. سارعَ في كذا: أسرع فيه وهو داخل فيه، وهنا الكفّار داخلين في الكفر. الفتنة: الاختبار، كما يُفتن الذهب بالنار. السحت: ما خبُث من المكاسب وحرم. المقسِط: العادل.
يا ايها الرسول: خطاب للنبي، وقد ورد الخطاب في جميع القرآن الكريم بعبارة "يا أيّها النبي" إلا هنا في هذه الآية، والآية 67 من هذه السورة { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }. وهذا الخطاب للتشريف والتعظيم، وتعليمٌ للمؤمنين ان يخاطبوه بهذا الوصف العظيم.
أيها الرسول، لا تهتم بهؤلاء المنافقين الذين يتنقلون في مراتب الكفر من أدناها الى أَعلاها، ويسارعون في التحيز الى اعداء المؤمنين عندما يرون الفرصة سانحة، فالله يكفيك شرّهم، وينصرك عليهم وعلى من ناصرهم.
{ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ... }
..أي الذين أدّعوا بألسنتهم ولم يؤمن قلوبهم.
{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ.. }.
ومن اليهود الذين يُكثرون الاستماعَ إلى ما يقوله رؤساؤهم وأحبارهم في النبي صلى الله عليه وسلم والاستجابة لطائفة منهم، لم يحضروا مجلسَك تكبُّراً وبغضاً. فهم جواسيس بين المسلمين يبلّغون رؤساءَهم أعداءَ الاسلام كل ما يقفون عليه من أخبار، ويحرّفون ما يحرفون، ثم ينقلون تلك الأكاذيب الى الأحبار المتخلّفين عن الحضور.
{ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ.. }.
اي يحرّفون كلام التوراة بعد أن ثبّته الله في مواضعه المعّينة إما تحريفاً لفظياً بإبدال كلماته، أو باخفائه وكتمانه تسهيلاً لزيادةٍ فيه او النقص منه، وإما تحريفاً معنوياً بالالتواء في التفسير.
روى الامام أحمد والبخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال:
"ان اليهود أتوا النبي صلى لله عليه وسلم برجلٍ منهم وامرأةٍ قد زنيا فقال: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: نُسَخِّم وجوههما ويخزيان، قال: كذبتم ان فيها الرجم، فأتُوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتُم صادقين. فجاؤوا بالتوراة مع قارىء لهم أعور يقال له ابن صوريا. فقرأ، حتى اذا أتى الى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له: ارفع يدك. فرفع يده، فاذا هي تلوح يعني آية الرجم، فقالوا: يا محمد، إن فيها الرجم، ولكنّا كنّا نتكاتمه بيننا. فأمر بهما رسول الله فرُجما" .
ومن قبيل ذلك ما قاله مارتن لوثر في كتابه: اليهود وأكاذيبهم. "هؤلاء هم الكاذبون الحقيقيون مصّاصو الدماء، الذين لم يكتفوا بتحريف الكتاب المقدّس وإفساده، من الدفة الى الدفة، بل ما فتئوا يفسّرون محتوياته حسب أهوائهم وشهواتهم... الخ" وهي كلمة طويلة.
{ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ... }
يقول اولئك الرؤساء لأتباعهم الذين أرسلوهم ليسألوا النبيّ عن حكم الرجل والمرأة الزانيين إن اعطاكم محمد رخصة بالجَلد عوضاً عن الرجّم فخُذوها، وارضوا بها، وإن حكَمَ بالرَّجم فارفضوا ذلك.
{ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ... }
ومن يُرد الله اختباره في دينه فيُظهره الاختبارُ ضلالَه وكفره، فلن تملِك له يا محمد شيئاً من الهداية. هؤلاء المنافقون والجاحدون من اليهود.. قد أظهرت فتنةُ الله لهم مقدارَ فسادهم، فهم يقبلون الكذب ويحرّفون كلام الله، اتباعاً لأهوائهم ومرضاة رؤسائهم. لا تحزن البتةَ على مسارعتهم في الكفر، ولا تطمع في جذبهم الى الايمان، ولا تخفْ عاقبة نفاقهم فإنما العاقبة للمتقين.
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ... } إنّ الذين بلغت منهم الفتنة ذلك المبلغ هم الذين لم يرد الله تطهير قلوبهم من الكفر والنفاق ـ فلن تستطيع ان تهديهم، لهم في الدنيا خِزي وذلّ ولهم في الآخرة عذاب شديد.
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ }
اعاد الله وصفهم بكثرة السماع للكذب، للتأكيد، وبيان أن أمرهم كلَّه مبنيٌّ على الكذب. كما وصفهم بأنهم أكالون للسحت، أي الحرام، لأنه انتشر بينهم، كالرشوة والربا واختلاس الأموال. وكل ذلك شائع في مجتمعنا نحن الآن مع الأسف.
قراءات:
قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ويعقوب السُّحُت بضمتين، وهما لغتان.
{ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ... }
فإن جاؤوك لِتحكم بينهم فأنت مخيَّر بين الحكم بينهم والاعراض عنهم. فإن اخترتَ الإعراض عنهم فلن يضروك بأي شيء، لأن الله عاصمُك من الناس. { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }. وإن اخترتَ ان تحكم بينهم فاحكم بالعدل الذي أمَر الله به، وهو ما تضمّنه القرآن واشتملت عليه شريعة الاسلام. ان الله يحب العادلين. { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }.
عجباً لهم كيف يطلبون حكمك في قضاياهم مع ان حكم الله منصوص عليه عندهم في التوراة، هي شريعتهم، ثم يرفضون ما حكمتَ به لأنه لم يوافق هواهم!! ان أمرهم لمن أعجب العجب، وما سببُ ذلك إلا أنهم ليسوا مؤمنين لا بالتوراة ولا بك أيضا.