خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
٢٥
ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ
٢٦
ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٧
-التوبة

تيسير التفسير

مواطن: جمعَ موطن وهو مقر الانسان ومحل اقامته. والمراد هنا الاماكن التي نصروا فيها. حُنين: واد بين مكة والطائف على ثلاثة اميال من الطائف. لم تغن عنكم شيئا: لم تنفع ولم تدفع عنكم شيئا. رحبت: اتسعت. مدبرين: هاربين. السكينة: الطمأنينة.
{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ }.
لقد نصركم اللهُ أيها المؤمنون على أعدائكم في كثيرٍ من المواقع بقوة إيمانكم، وخالصِ نيّاتكم، لا بكثرةِ عَددكم ولا بقُوتّكم.
{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }.
وحين غرّتكُم كثرتكم في معركة حُنين، ترككم اللهُ لأنفسِكم أولَ الأمر، فلم تنفعْكم كثرتكم، شيئا، ولشدّة الخوف والفزَع ضاقت عليكم الأرضُ على اتّساعها، فلم تجدوا وسليةً للنجاة إلا الهربَ والفرار من العدوّ، فولَّيتم منهزمين، وتركتم رسول الله في قلة من المؤمنين.
وقد كانت وقعة حُنين بعد فتح مكة في شوّال سنة ثمانٍ من الهجرة. فبعد ان فرغ النبيّ من فتحِ مكة، بلغة ان هوازن جمعوا له ليقاتلوه، كما انضمّ إليهم بنو ثَقِيف وبنو جُشم، وبنو سعد بن بكر، وبعضُ بني هلال، واناس من بني عمرو بن عامر، وكان اميرهم مالك بن عوف النضري. وكان عدد جيشِ المسلمين عشرةَ آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، مع ألفين من الذين أسلموا من أهل مكة. وكان عدد هوازن ومن معها أربعةَ آلاف مقاتل، ومعهم نساؤهم وولدانهم وجميع ما يملكون من شاءٍ ونعم.
"خرج الرسول الكريم بهذا الجيشِ في غَلَس الصبح، وانحدروا بوادي حُنين. وكان جيش العدو قد سبقهم الى احتلال مَضايِقِه، وكَمَن لهم فيها وما إن وصل المسلمون قلب الوادي، حتى أمطرهم العدو بوابلٍ من سهامه، واصلتوا السيوف، وحملوا حَمْلَة رجلٍ واحد. فكانت مفاجأة أذهلت المسلين حتى فرّ معظمهم. وثبت رسول الله وهو راكب بغلته الشهباء وعمُّه العباس آخذٌ بركابها الأيمن، وابو سفيان بن الحارث ابنُ عمّه آخذٌ بركابها الأيسر، ويحيط به أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس، وايمن بن ام ايمن، ونوفل بن الحارث، والمغيرة بن الحارث، وربيعة بن الحارث.. وكلّهم أبناء عم الرسول، واسامةُ بن زيد وغيرهم نحو مائة رجل، والنبيّ عليه الصلاة والسلام يدعو المسلمين إِلى الرجوع ويقول: إِليّ يا عبادّ الله، إليّ أنا رسولُ الله ويقول: أنا النبيّ لا كذِبْ، أَنا ابنُ عبد المطّلب ثم امر العباسَ بن عبد المطلب، وكان جهير الصوت، أن يناديَ بأعلى صوته: يا أصحابَ الشجَرة، يعني شجرةَ بَيْعة الرّضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأَنصار تحتها. فجعل العباسُ يناديهم، وتارة يقول يا أصحاب سورة البقرة. فصار الناس يقولون لبّيك لبيك، وانعطفوا وتراجعوا إِلى رسول الله. ولما تكامل جمْعُهم شدّوا على الكفار بقوة وصدق وحملوا علهيم فانهزم المشركون. واتّبعهم المسلمون يقتُلون فيهم ويأسِرون، وغنموا جميع ما معهم من نَعَمٍ ونساءٍ وأطفال.
وهكذا التقى الفريقان: المؤمنون بكثرتِهم وقد أعجبتْهم، والمشركون بقلّتهم العنيفة، وكانت الجولةُ في بدء المعركة للمشرِكين، لغُرور المسلمين وعدم احتياطهم. ولكن المعركة انتهت بنصر المؤمنين. والعبرة في هذه الغزوة أن الكثرةَ العددية ليست عاملَ النصر، وإنما هو القوةُ المعنوية، والإِيمان بالله والصدق والإِخلاصُ في العمل"
.
{ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }.
ثم أدركتْكُم عنايةُ الله، فأنزلَ الطمأنينةَ على رسوله وعلى المؤمنون فملأ بها قلوبهم. كما أنزلَ مع السَّكينة جنوداً لم تروْها بأبصاركم، فثّبت أقدامَكم فانتصرتم، وعذّب الذين كفروا بالقتل والسبي والأسر. وقد أذاقهم اللهُ مرارةَ الهزيمة، وذلك جزاء الكافرين في الدنيا، وجزاؤهم في الآخرة اعظم.
{ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
ثم يقبلُ الله توبةَ من يشاء من عباده فيغفرُ ذنبه، إذا رجع عنه مخلصاً، واللهُ عظيم المغفرة واسعُ الرحمة، وبابُ الرحمة مفتوح دائما لمن يخطئ ثم يتوب.
روى البخاري عن المسور بن مخرمة:
"أن ناساً من هَوازن جاءوا رسول الله وبايعوه على الاسلام وقالوا: يا رسولَ الله، أنتَ خير الناس وأبرُّ الناس، وقد سُبي أهلونا واولادنا وأُخذت أموالُنا، فقال عليه الصلاة والسلام: اختاروا إما ذراريكم ونساءَكم، واما أموالكم، قالوا ما نعدل الأحساب شيئا، فرد ذراريهم ونساءهم" .