خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً
٢٢
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٢٣
وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
٢٤
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٥
يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٦
وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً
٢٧
يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً
٢٨
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
٢٩
وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
٣٠
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً
٣١
-النساء

صفوة التفاسير

المنَاسَبَة: لما أوصى تعالى بحسن معاشرة الأزواج، وحذّر من إِيذائهن أو أكل مهورهن، عقّبه بذكر المحرمات من النساء اللواتي لا يجوز الزواج بهن بسبب القرابة أو المصاهرة أو الرضاع.
اللغَة: { سَلَفَ } مضى { مَقْتاً } المقت: البغض الشديد لمن تعاطى القبيح وكان العرب يسمون زواج الرجل امرأة أبيه "نكاح المقت" { رَبَائِبُكُمُ } جمع ربيبة وهي بنت المرأة من آخر سميت به لأنها تتربّى في حجر الزوج { حُجُورِكُمْ } جمع حَجْر أي في تربيتكم يقال: فلان في حجر فلان إِذا كان في تربيته قال أبو عبيدة: في حجوركم أي في بيوتكم { حَلاَئِلُ } جمع حليلة بمعنى الزوجة سميت بذلك لأنها تحل لزوجها { مُّحْصِنِينَ } متعففين عن الزنى { مُسَافِحِينَ } السفاح: الزنى وأصله في اللغة من السفح وهو الصبّ وسمي سفاحاً لأنه لا غرض للزاني إِلا سفح النطفة وقضاء الشهوة { طَوْلاً } سعةً وغنى { أَخْدَانٍ } جمع خِدْن وهو الصديق للمرأة يزني بها سراً { ٱلْعَنَتَ } الفجور وأصله الضرر والفساد { سُنَنَ } جمع سنة وهي الطريقة { نُصْلِيهِ } ندخله.
سَبَبُ النّزول: أ - لما توفي "أبو قيس بن الأسلت" وكان من صالحي الأنصار، خطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إِني أعدّك ولداً!! ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم استأمره فأتته فأخبرته فأنزل الله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ.... } الآية.
ب - عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم اوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم: { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ... } الآية قال: فاستحللناهن.
التفسِير: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } أي لا تتزوجوا ما تزوج آباؤكم من النساء لكن ما سبق فقد عفا الله عنه { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً } أي فإِن نكاحهن أمر قبيح قد تناهى في القبح والشناعة، وبلغ الذروة العليا في الفظاعة والبشاعة، إِذ كيف يليق بالإِنسان أن يتزوج امرأة أبيه وأن يعلوها بعد وفاته وهي مثل أمه؟ { وَسَآءَ سَبِيلاً } أي بئس ذلك النكاح القبيح الخبيث طريقاً، ثم بيّن تعالى المحرمات من النساء فقال { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } أي حُرّم عليكم نكاح الأمهات وشمل اللفظ الجدات من قبل الأب أو الأم { وَبَنَاتُكُمْ } وشمل بنات الأولاد وإِن نزلن { وَأَخَوَاتُكُمْ } أي شقيقة كانت أو لأب أو لأم { وَعَمَّاتُكُمْ } أي أخوات آبائكم وأجدادكم { وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } أي بنت الأخ وبنت الأخت ويدخل فيهن أولادهن، وهؤلاء المحرمات بالنسب وهنَّ كما تقدم "الأمهات، البنات، الأخوات، العمات، الخالات، بنات الأخ، بنات الأخت" ثم شرع تعالى في ذكر المحرمات من الرضاع فقال { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ } نزّل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمّى المرضعة أماً للرضيع أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك، كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك، وكذلك أختك من الرضاع، ولم تذكر الآية من المحرمات بالرضاع سوى "الأمهات والأخوات" وقد وضحت السنة النبوية أن المحرمات بالرضاع سبع كما هو الحال في النسب لقوله عليه السلام
"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" ثم ذكر تعالى المحرمات بالمصاهرة فقال { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } أي وكذلك يحرم نكاح أم الزوجة سواء دخل بالزوجة أو لم يدخل لأن مجرد العقد على البنت يحرم الأم { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } أي بنات أزواجكم اللاتي ربيتموهن، وذكرُ الحجر ليس للقيد وإِنما هو للغالب لأن الغالب أنها تكون مع أمها ويتولى الزوج تربيتها وهذا بالإِجماع { مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } الدخول هنا كناية عن الجماع أي من نسائكم اللاتي أدخلتموهن الستر قاله ابن عباس فإِن لم تكونوا أيها المؤمنون قد دخلتم بأمهاتهن وفارقتموهن فلا جناح عليكم في نكاح بناتهن { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } أي وحُرِم عليكم نكاح زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } أي وحُرّم عليكم الجمع بين الأختين معاً في النكاح إِلا ما كان منكم في الجاهلية فقد عفا الله عنه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي غفوراً لما سلف رحيماً بالعباد { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } أي وحرّم عليكم نكاح المتزوجات من النساء إِلا ما ملكتموهن بالسبي فيحل لكم وطؤهنَّ بعد الاستبراء ولو كان لهنَّ أزواج في دار الحرب لأن بالسبي تنقطع عصمة الكافر { { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي هذا فرض الله عليكم { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } أي أُحل لكم نكاح ما سواهنّ { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي إِرادة أن تطلبوا النساء بطريق شرعي فتدفعوا لهن المهور حال كونكم متزوجين غير زانين { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي فلما تلذذتم به من النساء بالنكاح فآتوهنَّ مهورهن فريضةً فرضها الله عليكم بقوله { { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [النساء: 4] ثم قال تعالى { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } أي لا إِثم عليكم فيما أسقطن من المهر برضاهن كقوله { { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [النساء: 4] قال ابن كثير: أي إِذا فرضت لها صداقاً فأبرأتك منه أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي عليماً بمصالح العباد حكيماً فيما شرع لهم من الأحكام { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي من لم يكن منكم ذا سعة وقدرة أن يتزوج الحرائر المؤمنات { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي فله أن ينكح من الإِماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ } جملة معترضة لبيان أنه يكفي في الإِيمان معرفة الظاهر والله يتولى السرائر { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } أي إِنكم جميعاً بنو آدم ومن نفسٍ واحدة فلا تستنكفوا من نكاحهن فرب أمة خير من حرة، وفيه تأنيس لهم بنكاح الإِماء فالعبرةُ بفضل الإِيمان لا بفضل الأحساب والأنساب { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي تزوجوهن بأمر أسيادهن وموافقة مواليهن { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفسٍ ولا تبخسوهن منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إِماء مملوكات { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } أي عفيفات غير مجاهرات بالزنى { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } أي ولا متسترات بالزنى مع أخدانهن قال ابن عباس: الخِدنُ هو الصديق للمرأة يزني بها سراً فنهى الله تعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي فإِذا أُحصنَّ بالزواج ثم زنين فعليهن نصف ما على الحرائر من عقوبة الزنى { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } أي إِنما يباح نكاح الإِماء لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي صبركم وتعففكم عن نكاحهن أفضل لئلا يصير الولد رقيقاً وفي الحديث "من أراد أن يلقي الله طاهراً مطهراً فلينكح الحرائر" { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي واسع المغفرة عظيم الرحمة { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } أي يريد الله أن يفصّل لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي يرشدكم إِلى طرائق الأنبياء والصالحين لتقتدوا بهم { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي يقبل توبتكم فيما اقترفتموه من الإِثم والمحارم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بأحوال العباد حكيم في تشريعه لهم { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } كرّره ليؤكد سعة رحمته تعالى على العباد أي يحب بما شرع من الأحكام أن يطهركم من الذنوب والآثام، ويريد توبة العبد ليتوب عليه { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } أي ويريد الفجرة أتباع الشيطان أن تعدلوا عن الحق إِلى الباطل وتكونوا فسقة فجرة مثلهم { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } أي يريد تعالى بما يسَّر أن يسهّل عليكم أحكام الشرع { وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } أي عاجزاً عن مخالفة هواه لا يصبر عن إِتباع الشهوات، ثم حذر تعالى من أكل أموال الناس بالباطل فقال { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل وهو كل طريق لم تبحه الشريعة كالسرقة والخيانة والغصب والربا والقمار وما شاكل ذلك { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } أي إِلا ما كان بطريق شرعي شريف كالتجارة التي أحلها الله قال ابن كثير: الاستثناء منقطع أي لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراضٍ من البائع والمشتري فافعلوها { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } أي لا يسفك بعضكم دم بعض، والتعبير عنه بقتل النفس للمبالغة في الزجر، أو هو على ظاهره بمعنى الانتحار وذلك من رحمته تعالى بكم { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً } أي ومن يرتكب ما نهى الله عنه معتدياً ظالماً لا سهواً ولا خطأً { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } أي ندخله ناراً عظيمة يحترق فيها { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي هيناً يسيراً لا عسر فيه لأنه تعالى لا يعجزه شيء { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أي إِن تتركوا أيها المؤمنون الذنوب الكبائر التي نهاكم الله عز وجل عنها نمح عنكم صغائر الذنوب بفضلنا ورحمتنا { وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } أي نُدخلكم الجنة دار الكرامة والنعيم، التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر!.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات أنواعاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- المجاز المرسل في { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } أي حرّم عليكم نكاح الأمهات فهو على حذف مضاف.
2- الطباق في { حُرِّمَتْ... وَأُحِلَّ } وفي { مُّحْصِنِينَ... ومُسَافِحِينَ } وفي { كَبَآئِرَ... وسَيِّئَاتِكُمْ } لأن المراد بالسيئات الصغائر من الذنوب.
3- الكناية في { ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } فهو كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها، وضرب عليها الحجاب.
4- الاستعارة في { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } استعار لفظ الأجور للمهور، لأن المهر يشبه الاجر في الصورة.
5- الجناس المغاير في { تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ } وفي { أَرْضَعْنَكُمْ... مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ } وفي { مُحْصَنَاتٍ... فَإِذَآ أُحْصِنَّ } والإِطناب في مواضع، والحذف في مواضع.
الفوَائِد: الأولى: استنبط العلماء من آية المحرمات القاعدة الآتية وهي "العقد على البنات يحرّم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرّم البنات".
الثانية: حمل بعض الروافض والشيعة قوله تعالى { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } على نكاح المتعة وهو خطأ فاحش لأن الغرض من الاستمتاع هنا التمتع بالأزواج عن طريق الجماع لا نكاح المتعة فقد ثبت حرمة نكاح المتعة بالسنة والإِجماع ولا عبرة بما خالف ذلك.
الثالثة: قال ابن عباس: الكبيرة كل ذنبٍ ختمه الله بنار، أو غضبٍ، أو لعنةٍ، أو عذاب.
الرابعة: روى سعيد بن جبير أن رجلاً قال لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إِلى السبعمأة أقرب منها إِلى السبع، ولكن لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إِصرار، ذكره القرطبي.