خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٢
وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
-إبراهيم

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات، فقام فيهم إبليس لعنه الله يومئذ خطيباً ليزيدهم حزناً إلى حزنهم وغبناً إلى غبنهم وحسرة إلى حسرتهم فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } أي على ألسنة رسله ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعداً حقاً وخبراً صادقاً وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم، كما قال الله تعالى: { { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [النساء: 120] ثم قال: { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل ولا حجة فيما وعدتكم به، { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه { فَلاَ تَلُومُونِي } اليوم، { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } فإن الذنب لكم لكونكم خالفتم الحجج، واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل، { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال، { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } قال قتادة، أي بسبب ما أشركتموني من قبل قال ابن جرير: يقول إني جحدت أن أكون شريكاً لله عزّ وجلّ، وهذا الذي قاله هو الراجح، كما قال تعالى: { { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف: 5-6]، وقال: { { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82]. وقوله: { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل لهم عذاب أليم، والظاهر من سياق الآية أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار كما قدمنا، قال الشعبي: يقوم خطيبان يوم القيامة على رؤوس الناس، يقول تعالى لعيسى بن مريم: { { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116]؟ قال: ويقوم إبليس لعنه الله فيقول: { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } الآية، ثم لما ذكر تعالى مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال، وإن خطيبهم إبليس عطف بمآل السعداء، فقال { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } سارحة فيها حيث ساروا وأين ساروا، { خَالِدِينَ فِيهَ } ماكثين أبداً لا يحولون ولا يزولون { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }، كما قال تعالى: { { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ } [الزمر: 73]، وقال تعالى: { { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24]، وقال تعالى: { { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } [الفرقان: 75]، وقال تعالى: { { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [يونس: 10].