خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٨
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٩
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٤٠
-مريم

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبراً عن الكفار يوم القيامة: { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } أي ما أسمعهم وأبصرهم { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } يعني يوم القيامة، { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أي في الدنيا { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي: لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك، ثم قال تعالى: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } أي أنذر الخلائق يوم الحسرة { إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ }: أي فصل بين أهل الجنة وأهل النار، وصار كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه، { وَهُمْ } أي اليوم { فِي غَفْلَةٍ } عما أنذروا به يوم الحسرة والندامة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي: لا يصدقون به. عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال، فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال، فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }، وأشار بيده ثم قال: "أهل الدنيا في غفلة الدنيا" .
وقال السُّدي، عن ابن مسعود في قوله { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، أتي بالموت في صورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، فلا يبقى أحد في أهل عليين، ولا في أسفل درجة في الجنة إلاّ نظر إليه، ثم ينادي مناد: يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم إلاّ نظر إليه، ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادى: يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرح ماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً من شهقة ماتوا، فذلك قوله تعالى: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ }: يقول إذا ذبح الموت. وقال ابن عباس: { يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله وحذره عباده، وقال عبد الرحمٰن بن زيد، في قوله { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } قال يوم القيامة، وقرأ: { { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر: 56]، وقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو تعالى وتقدس، ولا أحد يدعي ملكاً ولا تصرفاً، بل هو الوارث لجميع خلقه الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلا تظلم نفس شيئاً ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة.