خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
-النور

مختصر تفسير ابن كثير

قال ابن عباس: كانوا يقولون يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزَّ وجلَّ عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا يا نبي الله، يا رسول الله، وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود، وقال مقاتل في قوله: { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } يقول: لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شرفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وهذا كقوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2]، فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته، والقول الثاني في ذلك أن المعنى في: { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا، حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري، والأول أظهر، والله أعلم.
وقوله تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } قال مقاتل: هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة، فيلوذون ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يخرجوا من المسجد، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل، وقال السدي: كانوا إذا كانوا معه في جماعة لاذ بعضهم ببعض حتى يتغيبوا عنه فلا يراهم، وقال قتادة في قوله { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } يعني لواذاً عن نبي الله وعن كتابه، وقال سفيان { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } قال: من الصف، وقال مجاهد في الآية: { لِوَاذاً } خلافاً، وقوله: { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله منهجه وطريقته وسنته وشريعته، كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ، أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس و نحو ذلك، كما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني وتتقحمون فيها" .