خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ
٥٨
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
٥٩
-القصص

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى معرّضاً بأهل مكة: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي طغت وأشرت، وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } [النحل: 112] - إلى قوله - { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [النحل: 113]، ولهذا قال تعالى: { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي دثرت ديارهم فلا ترى إلاّ مساكنهم، وقوله تعالى: { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } أي رجعت خراباً ليس فيها أحد، ثم قال تعالى مخبراً عن عدله، وأنه لا يهلك أحداً ظالماً له، وإنما بعد قيام الحجة عليهم، ولهذا قال: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } وهي مكة { رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } فيه دلالة على أن النبي الأمي رسول إلى جميع القرى من عرب وأعجام، كما قال تعالى: { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } [الشورى: 7]، وقال تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف: 158]، وتمام الدليل قوله تعالى: { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } [الإِسراء: 58] الآية، فأخبر تعالى أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة، وقد قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى لأنه مبعوث إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها، وثبت في "الصحيحين" عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "بعثت إلى الأحمر والأسود" ولهذا ختم به النبوة والرسالة، فلا نبي بعده ولا رسول، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة، وقيل المراد بقوله: { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } أي أصلها وعظيمتها كأمهات الرساتيق والأقاليم.