خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٢
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
١٣
-العنكبوت

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا واتبعوا سبيلنا { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } أي آثامكم إن كانت لكم آثام، كما يقول القائل: افعل هذا وخطيئتك في رقبتي، قال الله تعالى تكذيباً لهم: { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي فيما قالوه إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم. فإنه لا يحمل أحد وزر أحد، قال الله تعالى: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [فاطر: 18]، وقال تعالى: { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ } [المعارج: 10-11]، وقوله تعالى: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة، أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزاراً أخر، بسبب ما أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً، كما قال تعالى: { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل: 25] الآية، وفي الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً" ، وفي الصحيح: "ما قتلت نفس ظلماً إلاّ كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل" . وقوله تعالى: { وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي يكذبون ويختلقون من البهتان.
وفي الحديث:
"إياكم والظلم فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص الناس أبصارهم، حتى يقوم بين يدي الرحمن عزَّ وجلَّ، ثم يأمر المنادي، فينادي من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم، فيقبلون حتى يجتمعوا قياماً بين يدي الرحمن، فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي، فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول: خذوا لهم من حسناته فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي، فيقولون: لم يبق له حسنة. فيقول: خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه" ثم نزع صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكريمة: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه: "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرح عليه" .