خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ
١٩٥
-آل عمران

مختصر تفسير ابن كثير

يقول الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي فأجابهم ربهم كما قال الشاعر:

وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب

عن أم سلمة قالت: يا رسول الله، لا نسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } إلى آخر الآية. وقالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا، ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم، عقب ذلك بفاء التعقيب، كما قال تعالى: { { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]. وقوله تعالى: { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبراً أنه لا يضيع عمل عامل لديه، بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى، وقوله: { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أي جميعكم في ثوابي سواء، { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } أي تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب والإخوان والخلان والجيران، { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجأوهم إلى الخروج من بين أظهرهم، ولهذا قال: { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده كما قال تعالى: { { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } [الممتحنة: 1]، وقال تعالى: { { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8]، وقوله تعالى: { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في الصحيحين أن رجلاً قال: "يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، ثم قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه ما قال، فقال: نعم، إلا الدين قاله لي جبريل آنفاً" ، ولهذا قال تعالى: { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقوله: { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم، لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلاً كثيراً كما قال الشاعر:

إن يعذب يكن غراماً وإن يعــ طِ جزيلاً فإنه لا يبالي

وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحاً.