خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ
٣١
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
٣٢
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
٣٤
إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
٣٥
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ
٣٦
بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٧
-الصافات

مختصر تفسير ابن كثير

يذكر تعالى: أن الكفار يتلاومون في عرصات القيامة، كما يتخاصمون في دركات النار، { فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } [غافر: 47] كما قال تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31] وهكذا قالوا لهم هٰهنا: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ }، قال ابن عباس، يقولون: كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا، لأنا كنا أذلاء وكنتم أعزاء، وقال مجاهد: يعني عن الحق، تقوله الكفار للشياطين، وقال قتادة: قالت الإنس للجن: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ }، قال: من قبل الخير فتنهونا عنه وتبطئونا عنه، وقال السدي: تأتوننا من قبل الحق وتزينوا لنا الباطل، وتصدونا عن الحق، قال الحسن: أي والله يأتيه عند كل خير يريده فيصده عنه، وقال ابن زيد: معناه تحولون بيننا وبين الخير، ورددتمونا عن الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذي أمرنا به.
وقوله تعالى: { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } تقول القادة من الجن والإنس للأتباع: ما الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان، { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي من حجة على صحة ما دعوناكم إليه، { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ }، أي بل كان فيكم طغيان ومجاوزة للحق، فلهذا استجبتم لنا وتركتم الحق الذي جاءتكم به الأنبياء، { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }، يقول الكبراء للمستضعفين: حقت علينا كلمة الله إنا من الأشقياء الذائقين للعذاب يوم القيامة، { فَأَغْوَيْنَاكُمْ } أي دعوناكم إلى الضلالة { إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }، أي فدعوناكم إلى ما نحن فيه فاستجبتم لنا، قال تعالى: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي الجميع في النار كل بحسبه، { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ } أي في الدار الدنيا { إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون.
وفي الحديث:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلٰه إلا الله، فمن قال: لا إلٰه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزّ وجلّ" . وروى ابن أبي حاتم عن أبي العلاء قال: يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله وعزيراً، فيقال لهم: خذوا ذات الشمال؛ ثم يؤتى بالنصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله والمسيح، فيقال لهم: خذوا ذات الشمال، ثم يؤتى بالمشركين فيقال لهم: لا إلٰه إلا الله، فيستكبرون، ثم يقال لهم: لا إلٰه إلا الله، فيستكبرون، ثم يقال لهم: لا إلٰه إلا الله، فيستكبرون، فيقال لهم: خذوا ذات الشمال، قال أبو نضرة: فينطلقون أسرع من الطير، قال أبو العلاء: ثم يؤتى بالمسلمين فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله تعالى، فيقال لهم: هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم: فكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعلم أنه لا عدل له، قال: فيتعرف لهم تبارك وتعالى وتقدس وينجي الله المؤمنين. { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } أي أنحن نترك عبادة آلهتنا وآلهة آبائنا عن قول هذا الشاعر المجنون؟ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى تكذيباً لهم ورداً عليهم: { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق، { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي صدّقهم فيما أخبروا عنه من الصفات الحميدة، والمناهج السديدة، وأخبر عن الله تعالى في شرعه وأمره، كما أخبروا { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [فصلت: 43] الآية.