خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٩
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
١٠
ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
١٢
-فصلت

مختصر تفسير ابن كثير

هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكل شيء، المقتدر على كل شيء { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه، { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم، وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: { خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [الأعراف: 54] ففصل هٰهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال عزّ وجلّ: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [البقرة: 29] الآية، فأما قوله تعالى: { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27] إلى قوله: { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [النازعات: 30-31]، ففي هذه الآية أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء، فالدحو مفسر بقوله: { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [النازعات: 31] وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص، وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: إني لأجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101]، { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27، الطور: 25]، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]، { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى: { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27] - إلى قوله - { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال: تعالى: { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } - إلى قوله - { طَآئِعِينَ } فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء، قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96]، { عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء: 56]، { سَمِيعاً بَصِيراً } [النساء: 58] فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101] في النفخة الأولى، كما قال تعالى: { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68]، وفي النفخة الأخرى { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27، الطور: 25]. وأما قوله: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]، فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً، وعنده { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [النساء: 42، الحجر: 2] الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله تعالى: { دَحَاهَا } وقوله: { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين، { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96] سمى نفسه بذلك، وذلك قوله أي لم يزل كذلك، فإن الله تعالى لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلفن عليك القرآن، فإن كلا من عند الله عزّ وجلّ.
وقوله تعالى: { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } يعني يوم الأحد ويوم الأثنين، { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا } أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، وقدر فيها أقواتها، وهو ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال:{ فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي لمن أراد السؤال، عن ذلك ليعلمه. وقال عكرمة ومجاهد في قوله عزّ وجلّ { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها، ومنه العصب باليمن، والسابوري بسابور، والطيالسة بالري. وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى: { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } أي لمن أراد السؤال عن ذلك، وقال ابن زيد: { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } أي على وفق مراده، من له حاجة إلى رزق أو حاجة، فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه، وهذا القول يشبه قوله تعالى:
{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم: 34] والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض، { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين، قال ابن عباس في قوله تعالى: { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } قال الله تبارك وتعالى للسماوات أطلعي شمسي وقمري ونجومي، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } واختاره ابن جرير. وقيل: تنزيلاً لهن معاملة من يعقل بكلامهما، وقال الحسن البصري: لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذاباً يجدان ألمه { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } أي ففرغ في تسويتهن سبع سماوات { فِي يَوْمَيْنِ } أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة، { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي ورتب مقرراً في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو، { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، { وَحِفْظاً } أي حرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى، { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره، { ٱلْعَلِيمِ } بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم. روي "أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السماوات والأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء المدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } لمن سأله، قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة، ثم قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً" فنزل: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ق: 38ـ39].