خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٣
وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
٣٤
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
٣٥
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٦
-فصلت

مختصر تفسير ابن كثير

يقول عزّ وجلّ: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } أي دعا عباد الله إليه { وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي وهو في نفسه مهتد فنفعه لنفسه ولغيره، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشر، وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد، وقيل: المراد بها المؤذنون الصلحاء، كما ثبت في " صحيح مسلم": "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، وقال عمر رضي الله عنه: لو كنت مؤذناً لكمل أمري، وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اغفر للمؤذنين ثلاثاً، قال: فقلت: يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف، قال صلى الله عليه وسلم: كلا يا عمر، إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم، وتلك لحوم حرمها الله عزّ وجلّ على النار لحوم المؤذنين" .وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } قالت: فهو المؤذن إذا قال: حي على الصلاة فقد دعا إلى الله، وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة: إنها نزلت في المؤذنين، والصَّحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعاً بالكلية، لأنها مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، وقوله تعالى: { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } أي فرق عظيم بين هذه وهذه، { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله عزَّ وجلَّ: { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } وهو الصديق أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، ثم قال عزَّ جلَّ: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم، وقوله تعالى: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حلية فيه إذا وسوس، إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والْتَجَأْت إليه، كفه عنك، ورَدّ كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول:
"أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" .