خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٤٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
٤٥
-فصلت

مختصر تفسير ابن كثير

لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته ومع هذا لم يؤمن به المشركون، نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت، كما قال عزَّ وجلَّ: { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 198-199] الآيات، وكذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم لقالوا على وجه التعنت والعناد { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أي لقالوا هلاَّ أنزل مفصلاً بلغة العرب ولأنكروا ذلك، فقالوا { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أي كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه؟ وقيل: المراد بقولهم { لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أي هل أنزل بعضها بالأعجمي وبعضها بالعربي؟ هذا قول الحسن البصري وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله أعجمي، وهو في التعنت والعناد أبلغ، ثم قال عزَّ وجلَّ: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } أي قل يا محمد: هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه، وشفاء، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب، ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } أي لا يفهمون ما فيه، { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } أي لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال سبحانه وتعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [الإسراء: 82]، { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } قال مجاهد: يعني بعيد من قلوبهم، قال ابن جرير: معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول، قلت: وهذا كقوله تعالى: { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171]، وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم، وقوله تبارك وتعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي كذب وأوذي، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [الشورى: 14] بتأخير الحساب إلى يوم المعاد { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي لعجل لهم العذاب، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً، { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أي وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا، بل كانوا شاكين فيما قالوه غير محققيين لشيء كانوا فيه، هكذا وجهه ابن جرير وهو محتمل والله أعلم.