خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
-الحجرات

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره، على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج والمعتزلة، وهكذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أُخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" . فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة، وقوله تعالى: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله، وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل: يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وسلم: تمنعه من الظلم فذاك نصرك أياه" .
وروى الإمام أحمد، عن أنَس رضي الله عنه قال: "قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أُبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إليه قال: إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا }" . وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأمر بالصلح بينهما، وقال السدي: كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها، لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله تعالى. وقوله عزَّ وجلَّ: { فَإِنْ فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي اعدلوا بينهما بالقسط وهو العدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } روى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمٰن عزّ وجلّ بما أقسطوا في الدنيا" وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا" . وقوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي الجميع أخوة في الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يسلمه" ، وفي الصحيح: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" ، وفي الصحيح أيضاً: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله" والأحاديث في هذا كثيرة: وقوله تعالى: { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني الفئتين المقتتلتين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في جميع أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.