خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
١٥٤
وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٥٥
-الأنعام

مختصر تفسير ابن كثير

لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله: { { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153] عطف بمدح التوراة ورسولها، فقال: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة كقوله تعالى: { { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً } [الأحقاف: 12].
وقال تعالى مخبراً عن المشركين:
{ { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } [القصص: 48].
وقال تعالى مخبراً عن الجن:
{ { يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } [الأحقاف: 30] الآية.
وقوله تعالى: { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً } أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً لما يحتاج إليه في شريعته، كقوله:
{ { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [الأعراف: 145] الآية.
وقوله تعالى: { عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامة بأوامرنا وطاعتنا، كقوله:
{ { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [الرحمن: 60]، وكقوله: { { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة: 24].
وقال الربيع بن أنس { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } يقول: أحسن فيما أعطاه الله، وقال قتادة: من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة، واختار ابن جرير أن تقديره: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً } على إحسانه، فكأنه جعل الذي مصدرية، كما قيل في قوله تعالى:
{ { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة: 69] أي كخوضهم، وقال ابن رواحة:

وثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصراً كالذي نصروا

وقال آخرون: الذي هٰهنا بمعنى الذين، وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها { تماماً على الذين أحسنوا }، وقال مجاهد: تماماً على الذي أحسن: على المؤمنين والمحسنين.
وقال البغوي: المحسنون الأنبياء والمؤمنون، يعني أظهرنا فضله عليهم.
قلت: كقوله تعالى:
{ { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف: 144] ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل عليهما السلام لأدلة أخرى. وقوله تعالى: { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً } فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فيه الدعوة إلى اتباع القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة إليه، ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة لأنه حبل الله المتين.