خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
-الأعراف

مختصر تفسير ابن كثير

{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم، كما روى الإمام أحمد على رجل من الأعراب، "قال: جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت من بيعي قلت: لألقين هذا الرجل، فلاسمعن منه قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر ويمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود، ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي فقال: برأسه هكذا أي لا؛ فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فقال: أقيموا اليهودي عن أخيكم، ثم تولى كفنه والصلاة عليه" . وروى ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [الأحزاب: 45] وحرزاً للأمييّن، أنت عبدي ورسولي، اسمك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً. وقد رواه البخاري في "صحيحه" وزاد بعد قوله "ليس بفظ ولا غليظ" ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وقوله تعالى: { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول:
{ { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 200] فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه. عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الحديث عني ممّا تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" . وعن علي رضي الله عنه قال: "إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهنى، والذي هو أتقى" . وفي رواية قال: "إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه" . وقوله: { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام، ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث، قال ابن عباس: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى، قال بعض العلماء: فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين، وقوله: { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } أي أنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طرق "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بعثت بالحنيفية السمحة وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا" ، وقد كانت الأمم الذين قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" وقال "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ، ولهذا أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: { { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286]، وقوله: { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } أي عظموه ووقروه، { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي في الدنيا والآخرة.